البشر والحجر فى الحى السادس

أشرف البربرى
أشرف البربرى

آخر تحديث: الأربعاء 12 يناير 2022 - 9:30 م بتوقيت القاهرة

أخطر ما فى خطة الحكومة لإزالة الحى السادس وجزء من الحى السابع فى مدينة نصر تحت شعار إعادة تخطيط وتطوير المنطقة، ليس تشريد أكثر من 4500 أسرة تعيش فى المنطقة المطلوب إزالتها وإن كان هذا خطرا كبيرا ومأساة إنسانية، وإنما ما تكشف عنه من نمط تفكير لا يقيم للمواطن ولا لحقوقه الإنسانية والقانونية والدستورية وزنا كبيرا، خاصة عندما يتعلق الأمر بقرارات الهدم والإزالة والاستغلال الاستثمارى للأراضى.
فالحكومة فى يوم وليلة تقرر إزالة حى سكنى كامل دون أى مبرر من مبررات الإزالة التى تعارفنا عليها فى بلادنا المحروسة. فلا هذا الحى عشوائى ولا مخالف مقام على أراض مملوكة للدولة ولا مبانيه آيلة للسقوط ولا مبنى على أرض زراعية، ولا حتى مطلوب إزالته لشق طريق أو إقامة كوبرى.
ثم تأتى الخيارات التى يطرحها المسئولون على ضحايا الإزالة المنتظرة لتتجاهل الكثير من الحقوق والحقائق التى يجب احترامها، وفى مقدمتها حق المواطن فى البقاء حيث يعيش ويعمل ما دامت لا توجد حاجة ملحة لنقله، وحق الوطن، خاصة إذا كان فقيرا ومحدود الموارد المالية كما يردد مسئولونا دائما، فى التعامل الرشيد مع أصوله فلا نهدم حيا سكنيا كاملا لكى نعيد بناءه من جديد، حتى لو كان البناء الجديد فى صورة أبراج شاهقة أو تجمعات سكنية فارهة. فالدولة الفقيرة التى لا تستطيع تحمل قيمة دعم الخبز والزيت والسكر لملايين المواطنين المعدمين والفقراء، لا يجب أن تهدم مئات العمارات السكنية الصالحة للبقاء لأن هذا يعتبر نوعا من السفه فى إنفاق المال العام، وعدوانا على المال الخاص.
وإذا كانت الدولة تعلى مبدأ الاستثمار وتسليع الأراضى حتى لو كانت على حساب استقرار السكان، فمن حق هؤلاء السكان بيع وحداتهم السكنية بالأسعار التى تتناسب مع القيمة الجديدة للأرض فى المنطقة. فإذا كانت الحكومة قررت إعادة تخطيط منطقة الحى السادس لتصبح منطقة تطوير عمرانى جديدة ترتفع فيها أسعار الأراضى والمبانى فمن حق المواطن الذى عاش فى هذا المنطقة منذ أن كانت نائية وصحراوية الاستفادة من عائد التطوير فى صورة ارتفاع كبير فى قيمة وحدته السكنية، فيبيعها بهذا السعر، لا أن يتم إجباره على تركها مقابل تعويض لا يمثل قيمتها السوقية الجديدة.
على مدى سنوات عديدة تحدث الكثيرون عن مشروعات التنمية التى تركز على الحجر وتتجاهل البشر، وهو ما يرفضه المسئولون باستمرار، ويحاولون بكل السبل تأكيد العكس، رغم أن الواقع على الأرض يقول إن مشروعات البناء تتجاهل فى أحوال كثيرة احتياجات البشر، بل وأحيانا تجعل حياتهم بعد تنفيذها أصعب من حياتهم قبلها، كما هو الحال بالنسبة للكثيرين من سكان أحياء مثل مصر الجديدة ومدينة نصر.
ولكن فى موضوع الحى السادس انتقلنا من مرحلة الاستثمار فى الحجر بدلا من الاستثمار فى البشر إلى مرحلة الاستثمار فى الحجر على حساب حياة البشر وحقوقهم المادية والمعنوية.
ولما كان مشروع إزالة الحى السادس ما زال فى طور الفكرة والحديث النظرى، فإن الفرصة ما زالت قائمة لكى تعيد الحكومة النظر فيه، لتثبت لنا أننا انتقلنا بالفعل من حالة الدولة الغاشمة إلى الدولة القادرة التى تتحرك بقدر أكبر من الرشد فى التعامل مع مواطنيها وخططها.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved