لم يستوعبوا الدرس يا شهيد الحرية

امال قرامى
امال قرامى

آخر تحديث: الثلاثاء 12 فبراير 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

كان بالإمكان أن تتحول حادثة اغتيال الشهيد شكرى بلعيد إلى لحظة مفصلية فى إدارة المسار الانتقالى، وأن تفضى إلى مراجعات جوهرية فى بناء الذات وفى رؤية الآخر وفى طريقة التعامل مع الفاعلين السياسيين ومختلف مكونات المجتمع المدنى. ولكن...

 

•••

 

تابعنا على امتداد يومين ما جرى فى المجلس التأسيسى من مناقشات وشاهدنا المنابر الحوارية والبرامج التى خصصت للتعبير عن ردود فعل فئة من السياسيين من حادثة اغتيال الشهيد شكرى بلعيد ولم نلاحظ أى تعديل فى خطاب هؤلاء، وخاصة من هم فى سدة الحكم. وزراء يستميتون من أجل البقاء فى السلطة، وآخرون يستأسدون من أجل الدفاع عن سياسة الترويكا، تهم توجه لهذا الطرف وسخرية من هذا، واستخفاف بمشاعر المتابعين، الأمثلة كثيرة عدد ولا حرج.

 

ولئن لمسنا عذرا للسياسيين باعتبار أنهم لم يكونوا قادرين على استيعاب خصوصيات اللحظة ولا مستعدين لإدارة المرحلة، نظرا إلى أن الثورة باغتت الجميع فإن ما وقع يحثنا على طرح تساؤل: أما آن الأوان لبلورة تصور دقيق وتغيير طريقة الأداء والفعل ونسج خطاب سياسى يرقى إلى متطلبات اللحظة الراهنة؟

 

•••

 

كنا ننتظر من الفاعلين السياسيين والمسئولين عن إدارة المسار الانتقالى جرأة فى الطرح وقدرة على المواجهة ووعيا بأن الآتى يجب أن يختلف عما مضى شكلا ومضمونا. كنا ننتظر الاعتراف بالمآزق ومنها:

 

1ـ كيف السبيل إلى توحيد المشهد، والحال أنه قد تغير إذ ما عاد بالإمكان الحديث عن التونسيين بصيغة الجمع وبتحقق الإجماع. جنازة الشهيد شكرى بلعيد، لم تجمع التونسيين فى لحظة خشوع ولم توحد شملهم ولم تجسم مخاوفهم، ولم تجعلهم كالبنيان المرصوص يهتفون «كفى عنفا›؟

 

2ـ كيف السبيل إلى إعادة الاعتبار إلى مفهوم الوطنية وإضفاء معنى على مقولة «حب الوطن من الإيمان» وتفعيل الحس الوطنى وجمع التونسيين حول المشترك (العلم، النشيد الوطنى، حماية الوطن..) بعد أن انقسموا فئات تتناحر وتتباغض بسبب اختلاف الولاءات؟

 

3ـ كيف السبيل إلى إنجاز الأمن وتحقيق السلم الاجتماعى وإعادة الثقة فى المؤسسة الأمنية والحال أن فئات سلفية تحمى أحياء، ورابطات حماية الثورة تسيطر على أحياء أخرى، وصعاليك يتربصون ببعض الأنهج على مرأى ومسمع الجميع؟

 

4ـ كيف السبيل إلى إدارة الشأن الدينى والحال أن قياديين فى حزب النهضة ونوابا من المجلس التأسيسى تلتبس فى أذهانهم الأدوار: يخلطون بين دور الداعية ودور السياسى يدينون السياسة ويسيسون الدين؟ كيف السبيل إلى حماية القيم وترشيد الخطاب الدينى وأشباه دعاة يقوضون التماسك الاجتماعى فى مساجد أحدثت ليعبد فيها الله فإذا بها تتحول إلى قاعدة استراتيجية لتصفية الأعداء؟

 

5ـ كيف السبيل إلى إعادة ترتيب الأولويات: معالجة الوضع الاجتماعى بدل تقاسم الغنائم، إعادة ثقة التونسيين فى الحكام بدل الاستمرار فى تكريس المحاصصة، إيلاء ملف الشهداء والجرحى ما يستحقه من عناية بدل الاستقطاب الحدى، بعث حوار وطنى فعلى بدل افتعال حالات هرج حول حجاب الصغيرات، وتكفير العلمانيين؟

 

6ـ كيف السبيل إلى إعادة البريق والمعقولية إلى الكلمات: دستور حداثى، دستور توافقى، دستور طلائعى وريادى، دولة مدنية، دولة القانون، دولة المؤسسات، استقلالية القضاء، وبعث رسائل طمأنة حقيقية إلى الجموع حول تونس الغد؟

 

•••

 

يقتضى الأمر الاعتراف بالأخطاء والخروج من التوظيف الدينى السياسى إلى تحمل المسئولية الأخلاقية، والإقرار بأن حزب النهضة ليس جاهزا اليوم، لإقناع الجموع بوسطية منهجه و«حداثية» مشروعه، وأنه بحاجة إلى ورشات فكرية تقوم المسار المنجز وترسى خططا مستقبلية لا للهيمنة على مفاصل الدولة بل للمشاركة فى بناء تونس الغد من موقع الشريك لا الطرف الممثل للأغلبية الحاكمة. وعلى النهضة أن تتموقع فى مسار أبان عن عجز التيارات الإسلامية عن قيادة البلدان التى خاضت الحراك العربى.

 

 

 

أستاذة بالجامعة التونسية

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved