فى مدن «الجنة» لا مكان للعربى أيضا!

خولة مطر
خولة مطر

آخر تحديث: الأحد 12 فبراير 2017 - 10:05 م بتوقيت القاهرة

ضجيج الإعلام على تنوعاته لا يمنع أبدا أن يتوقف المرء لمراجعة بعض الأمور. فقد يحق لكل بلدان العالم أن تتذمر من سياسات ترامب تجاه منع مواطنى بعض الدول العربية من دخول الولايات المتحدة، ولكن لا يحق للكثير من العرب فعل الشىء نفسه لأنهم مدانون قبله بمنع نفس الجنسيات بل أكثر منها من دخول بلدانهم.

انظروا متى كانت المرة الأخيرة التى استطاع فيها خبير عربى وليس لاجئا قادما لتقديم الدعم والمشورة أو المشاركة فى مؤتمر أو منتدى أو ندوة أو أمسية شعرية أو عرض لأعمال فنيه. متى استطاع الدخول دون مواجهة العديد من التدخلات على أعلى المستويات، وحتى بعد ذلك قد لا يسمح له بالدخول وترفض تأشيرة دخوله. فقد يكون ذلك المسئول النفطى العربى متصالحا مع نفسه إذا لم يستنكر قرارات ترامب التى تبدو وكأنها قادمة من زمن آخر. وقال إنه يحق له كرئيس لدولة أن يمنع من يمنع ويسمح لمن يسمح! هو يعلم أن بلده تمنع الكثير من الجنسيات. وفى حدة الأزمة السورية حيث احتمى السوريون بالبحر واعتلوا الأمواج مع أطفالهم ونسائهم وشيوخهم فى محاولة للعبور إلى الضفة الأخرى، فى مثل هذه الأزمة التى لا تشبهها كارثة إنسانية لم يفتح بلد عربى حدوده، فقط البعض من الجيران الذين ما لبثوا وأن حملوا السوريين كل مآسى بلدهم وأزماتها المستمرة.

أما أولئك القادرون على استيعاب أكبر عدد من السوريين والذين رسخوا إعلامهم بكامله ليشن الحروب ويبكى السوريين المنكوبين، فهم لم يفتحوا حدودهم ولا أذرعهم بل فضلوا بين الحين والآخر إرسال بعض المساعدات هنا وهناك للسوريين فى مخيمات اللجوء اللا إنسانية حتما.

***

ما يستفز فى الحملة على ترامب هو هذا الأمر حتما؛ ففى الوقت الذى يعلن ترامب رفضه للسماح بجنسيات معينة بالدخول ويتعرض هؤلاء لكثير من العذاب فى المطارات وتنقسم العائلات إلى من هو خارج الولايات المتحدة ومن هو بداخلها، وأكثر من ذلك قصص لا تتلاءم مع بلد يدعى أنه يتصدى لمشاكل الكون وأنه يتحلى بالديمقراطية والعدالة! إلا أن كل ذلك ــ المؤلم حتما والمشين ــ قد قوبل من الأمريكان العاديين بكثير من الرفض وقام الكثيرون بالتظاهرات والاحتجاجات، ولكن هل سمعنا بمدينة عربية خرجت بتظاهرة ولو متواضعة نتيجة سوء أو رفض استقبال العرب القادمين من مدن الموت والدمار؟ هل قام إعلامنا العربى ــ كما هو يفعل اليوم ــ بنقل قصص وحكايات الكثيرين من السوريين والعراقيين والصوماليين والايرانيين واليمنيين ضحايا هذه القرارات، ثم قام وبمصداقية وشفافية لينقل بعض من معاناة العرب فى الامارات العربية المنتشرة التى باستطاعتها أن تأوى العديد من الهاربين من النار إلى جناتهم التى بها أعلى العمارات وأكبر المطارات والمدن المبنية على شكل نخلة وأخرى تحت البحار وغيرها كثير من القصص التى لا تستوعبها سوى موسوعة جينيس!

***

انظروا لذلك الطبيب العراقى الذى هرب من الجحيم الأول قبل أن تتحول بلده إلى مراحل متتالية من الموت المتنقل على العربات وباسم الطائفة.. رحل إلى استراليا التى استقبلته بكثير من القسوة ولكنها ما لبثت أن فتحت أذرعها فأصبح من أهم الأطباء وقام بالعديد من الاكتشافات فى الأطراف الصناعية. ألم يكن من المفيد أن تستوعبه احدى عواصمهم التى تعج بالقادمين من أطراف الكرة الأرضية!

لا تنسوا حكاية محمد الذى كان من أمهر الخبراء العرب فى مجاله؛ فكان أن قدم الكثير من الدعم لتلك الدول نفسها لتصبح مدنها «كوزموبوليتانية» ولكنه عندما طلبوا منه القدوم لتقديم المساعدة رفضت أجهزتهم «نفسها» منحه التأشيرة بحجة جنسيته السورية! وهناك ألف حكاية لألف قصة لعرب يعملون فى تلك الدول حاول أن يحضر كل منهم والدته الكبيرة فى السن والتى لم يعد لها أحد فى بلدتها سوى أبنائها المشردين فى بقاع الأرض ولكن رفضت تأشيرتها لجنسيتها أيضا. والمضحك المبكى أنها نفس الجنسيات التى يمنع ترامب اليوم دخولها إلى أمريكا بل أن فى تلك الدول يضاف لها الكثير من العرب الآخرين فيما يدخل الأوروبى بتأشيرة مؤقتة فى المطارات!

***

الأكثر ألما ربما أن الأثرياء من نفس تلك الجنسيات وربما «الفاسدون» يجدون طرقهم لدخول مدن «الجنة» ويبقى الفقراء وأصحاب الكفاءات دون الواسطات هم من يعانون الأمرين، ويل لهم إن بقوا ليذبحوا بأى اسم وتحت أى حجة أو حتى دون حجة برصاصة طائشة أو عبث الحروب العربية الحالية، وويل لهم لو حاولوا فقط أن يدقوا أبواب العواصم العربية الساكنة فى خاصرتهم الواقفة فى انتظار القادمين إلا من العرب.. إذن لا تستغربوا ما يفعله ترامب فهو جزء مما يتعرض له الكثير من المسلمين والعرب فى بقاع الكون العربية بل حامية الإسلام ورافعة راياته!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved