لكى لا يصبح يوم 19 مارس بداية انتكاسة الثورة

سيد قاسم المصري
سيد قاسم المصري

آخر تحديث: السبت 12 مارس 2011 - 10:21 ص بتوقيت القاهرة

 حدد المجلس الأعلى للقوات المسلحة يوم 19 مارس 2011 موعدا لإجراء الاستفتاء الشعبى على التعديلات المقترحة لبعض مواد الدستور.. والخطوة المنطقية بعد ذلك هى إعادة تفعيل الدستور الذى سبق إيقاف العمل به.. ومعنى ذلك أنه اعتبارا من يوم 20 مارس ستصبح مصر محكومة بدستور عام 1971 المعدل.. فما الذى يترتب على ذلك؟

أولى النتائج المترتبة على ذلك أن يتولى رئيس المحكمة الدستورية مهام رئيس الجمهورية وفقا للمادة 84 وأن تجرى الانتخابات لاختيار رئيس الجمهورية خلال مدة لا تتجاوز ستين يوما من تاريخ خلو منصب الرئاسة.. وعليه فيتوجب على المجلس الأعلى للقوات المسلحة العودة إلى مهامه الأصلية وتولى رئيس المحكمة الدستورية مهام رئيس الجمهورية اعتبارا من 20 مارس الحالى.. دون انتظار فترة الستة شهور التى سبق أن حددها المجلس.. وإلا اعتبر المجلس مغتصبا للسلطة.. وهنا قد تثار نقطة تتعلق بموعد خلو منصب الرئاسة، حيث إنه وفقا للمادة 84 تبدأ فترة الستين يوما من تاريخ خلو منصب الرئاسة.. فهل خلا المنصب فعلا يوم 11 فبراير بالإعلان الشهير للسيد عمر سليمان.. الذى أعلن فيه «أن الرئيس مبارك قرر التخلى عن منصب رئيس الجمهورية وتكليف المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإدارة شئون البلاد».. أم أن الأمر يحتاج إلى إعلان رسمى بخلو منصب الرئيس كما حدث فى تونس إذ لم يعلن خلو منصب الرئاسة فور هروب بن على بل أعلن بعد ذلك بفترة وبناء على ضغوط شعبية.. فإذا كان المنصب قد خلا يوم 11 فبراير فإن انتخابات الرئاسة يجب أن تجرى فى موعد أقصاه 11 أبريل.. أما إذا كان الأمر يحتاج إلى إصدار إعلان رسمى بخلو المنصب.. فإن حساب الستين يوما يبدأ من يوم صدور هذا الإعلان.

فإذا افترضنا أن صدور الإعلان سيأتى بعد أيام قليلة من ظهور نتيجة الاستفتاء على التعديلات الدستورية. فإن انتخابات الرئاسة يجب أن تجرى فى موعد أقصاه أواخر مايو 2011.. أى أن هذا الخيار يعطينا.. أو يعطى المرشحين بعض الوقت.. ولكن أيما الأجلين قضينا فإن الخطورة تكمن فى شروط الترشيح وفقا للمادة 76 المعدلة التى تشترط لقبول الترشيح للرئاسة أن يؤيد المتقدم للترشيح ثلاثون عضوا على الأقل من الأعضاء المنتخبين لمجلسى الشعب أو الشورى أو ثلاثون ألف مواطن وفقا للتفاصيل التى أوردتها المادة.. فهل يعقل أن تكون أوراق اعتماد المرشح للرئاسة معتمدة من نواب المجلس الباطل التى أتى بانتخابات مزورة.. وإذا قيل إنه من أجل هذا فإننا نريد أن نبدأ بالانتخابات التشريعية قبل الرئاسية.. فإن ذلك يقودنا إلى مأزق أكبر.. حيث سيف الستين يوما مازال معلقا على الرقاب.. ومعنى ذلك أن تجرى الانتخابات التشريعية خلال شهر أبريل على أقصى تقدير.. وهذه ستكون الطامة الكبرى.. حيث الذهاب إلى انتخابات تشريعية الآن دون إعطاء الوقت الكافى لتكوين الأحزاب الجديدة وإعداد برامجها وطرحها للنقاش العام.. الأمر الذى يحتاج فى تقديرى لفترة لا تقل عن سنة كاملة.. أقول إن الذهاب المتعجل إلى الانتخابات التشريعية فى الظروف القائمة حاليا سيستنسخ النظام السابق لا محالة ولكن بفارق واحد وهو وجود أقوى للإخوان المسلمين..

لذا فإننى أناشد المجلس الأعلى للقوات المسلحة أن ينحى دستور 71 جانبا ويدع محاولات تعديله حتى وإن كان للمرحلة الانتقالية.. وأنا أكاد أتبين دوافع الاستعجال وراء قرار المجلس العسكرى.. فهم فعلا لا يريدون الاستمرار فى الحكم ويريدون التخلص من «الشيلة» الثقيلة التى ألقيت عليهم بأسرع وقت ممكن ولذلك كان التمسك بالشهور الستة.. وهذا الهدف المحمود يمكن الوصول إليه عن غير طريق دستور 71 المشوه وذلك من خلال إصدار إعلان دستورى من صفحة واحدة أو صفحتين يحكم المرحلة الانتقالية ويحل محل دستور 71 الذى يجب إلغاؤه وليس إيقاف العمل به.

وفى ظل هذا الإعلان الدستورى تجرى انتخابات الرئاسة فقط وذلك خلال فترة الستة شهور التى حددها المجلس العسكرى.. وبعد انتخابات الرئيس الجديد.. يقوم هذا الرئيس الجديد بإدارة فترة انتقالية جديدة يتم خلالها إطلاق حرية تشكيل الأحزاب وتشكيل جمعية تأسيسية لإعداد الدستور الدائم وإعداد القوانين الجديدة المكملة للدستور.. إلخ.. ثم بعد سنة أو أكثر قليلا تجرى الانتخابات التشريعية.

●●●


لا أرى مبررا واحدا يدعونا للتمسك بدستور 71... لقد سقط هذا الدستور فعلا يوم 11 فبراير 2011 عندما أوكل الرئيس مبارك إدارة شئون البلاد إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة..

فلا يوجد فى الدستور نص يتيح ذلك للرئيس.. فالدستور يقضى بأن يتولى إدارة شئون البلاد فى حالة وجود مانع مؤقت يحول دون مباشرة الرئيس لمهامه.. إما نائب رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء فى حالة عدم وجود نائب للرئيس.. (المادة 82)، وأما فى حالة خلو منصب الرئيس فيتولى الرئاسة رئيس مجلس الشعب وإذا كان المجلس منحلا يحل محله رئيس المحكمة الدستورية العليا ـ ولا يوجد خلاف ذلك فى الدستور.. لذلك فإن تكليف المجلس الأعلى بإدارة شئون البلاد هو انقلاب على الدستور.. كما أن فقهاء القانون الدستورى وعلى رأسهم الدكتور ثروت بدوى يؤكدون أن الدستور سقط سقوطا بائنا بثورة 25 يناير العظيمة التى أوجدت شرعية جديدة هى شرعية الثورة.

●●●


إن أخطر ما يتهدد هذه الثورة السلمية العظيمة هو هذه العجالة التى ستجرى فيها الانتخابات فى ظل ذلك الدستور المشوه.. معدلا كان أم غير معدل.. وأننى أناشد المجلس الأعلى للقوات المسلحة وحكومة الدكتور عصام شرف الذى أعلن أنه يستمد شرعيته من ميدان التحرير.. وأحسبه صادقا ومخلصا كل الإخلاص فيما وعد والتزم.. ومعه الفقيه الدستورى الدكتور يحيى الجمل.. أناشدهم جميعا إعادة النظر فى الأمر.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved