العفاريت التى تسكن المضيق

محمد موسى
محمد موسى

آخر تحديث: الثلاثاء 12 أبريل 2016 - 9:55 م بتوقيت القاهرة

عاصفة من الأسئلة والشتائم المتبادلة، ذلك هو تلخيص الجدل المصرى الداخلى بشأن جزيرتى تيران وصنافير، بعد الإعلان عن «إعادتهما» إلى السعودية.

مقطع آخر ساخن وقبيح من النقاش المجتمعى والحوار السياسى فى مصر، فالطريقة التى تم بها إخطار المصريين بالاتفاق، جعلت الجميع يصل إلى أعلى درجات الوجد والعنف، موافقا يتحمس ويهتف للاتفاق، أو معارضا يتهم أطرافه بالخيانة.

لم يتم تهيئة الرأى العام للخبر، تم تبليغه، وهى طريقة كانت تصلح أيام عبدالناصر وإعلامه الذى يغبطه الرئيس السيسى عليه، لكن ليس فى زمن جوجل وفيسبوك وتويتر، حيث انهمرت أسئلة الناس: أين وثائق الملكية والتفويض بالإدارة، ولماذا انتهت أسباب التفويض، ولماذا تحصل مصر على مقابل إعادة الأرض لأصحابها؟.

السؤال الأكبر كان عن الإدارة السياسية والإعلامية للقرار، التى جاءت مفعمة بالأخطاء، وأصابت بعض المذيعين المؤيدين للرئيس بالدهشة، رغم محاولة السيطرة على الانفعالات، وعلى اتصالات المشاهدين.

الخطأ الأول أن المفاوضات تمت بمعزل عن الرأى العام، ولو صدر بيان صغير عن وزارة الخارجية وقتها يشير إليها، لكان الجدل بدأ وتبلور، ثم انتهى إلى انطباع شعبى عام تجاه القضية.

ثانيا أوحى اختيار القمة التاريخية منصة لإطلاق الخبر، بأن القرار جزء من صفقات الاستثمار والمساعدات السعودية، «كأن الموضوع بيع وشراء»، بتعبير أحد المحامين المتصلين بالعاشرة مساء، «وكان من الأفضل التريث والتمهل، وعندك مجلس نواب».

المتصل يعرف أن مجلس النواب لم يأت ليناقش، لكن الشكليات تحكم أحيانا. شكليات لن يراعيها أحد فى أتون هذه الخلافات، فلن يكون هناك حتى استفتاء شعبى، كما أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية.

وثالثا لم يكن الإعلام على مستوى الحدث، فهو عاجز عن مساعدة المواطن بالمعلومة الدقيقة أو الرأى النزيه، وأصبح المواطن يتخبط على الإنترنت، يلتقط خرائط القديمة من هنا، وكتابا أثريا من هناك، ليفهم.

حتى الخبراء الذين طلعوا على الشاشات يؤكدون أنها أرض مصرية، عاد بعضهم ليؤكد العكس، بينما تعهد مذيع متحمس بالذهاب إلى لاهاى، ليثبت ملكية السعودية للجزيرتين، فإلى من يشكو الشعب حيرته، وضعف قوته، وهوانه على صانع القرار؟.

وفى المقابل زاد الجدل بين المؤيد والمعارض، وتوارت صورة الجزيرتين، لتظهر جبال الشتائم ضد «جماعة الخوارج الارهابية، وعصابات العبد المملوكى فى تركيا، وكل أنواع الخونة والقتلة إلخ».

ورابعا جر الاتفاق، بإخراجه الطفولى، كل القابعين فى انتظار غلطة للنظام، فقرأنا بيانات سياسية من أحزاب ترفض تسليم الجزيرتين، وتدعو لفاعليات جماهيرية. دخلت القضية إلى صفحات جمع التوقيعات، «لرفض التنازل عن السيادة المصرية»، واحتفل الإخوان بعبد الناصر وباسم يوسف، لأول مرة فى التاريخ، لأن فى ذلك دعما لحملتهم ضد اتفاق «أعطى المعارضة الإخوانية ذخيرة حية فى معركتها ضد النظام بعد ان خفت صوتها فى الفترة الاخيرة»، كما لاحظ كاتب عربى متحيز ضد مصر.

قرأنا كلمات المرشح الرئاسى السابق من منفاه، ينتقد نقص الخبرة وضعف الإدارة، ويتحدث عن الانفراد باتخاذ القرارات المصيرية دون الرجوع للشعب صاحب المصلحة. وكنا فى غنى عن كل هذه الدروس المسرحية، من شخصيات تحب نفسها أكثر مما تفكر أصلا فى الشعب ومصالحه.

صحفى زميل مؤيد للرئيس كتب أنه «محبط جدا وحاسس بالمذلة وقلة الحيلة، ومش عارف اعمل إيه غير شوية بوستات على فيسبوك».

طريقة الاتفاق استهانت بالشعب، وضربت خيوط الثقة معه، فأخرجت كل هذه العفاريت من صندوق «بانادورا» السحرى، للفهلوة السياسية والإعلامية، والألاعيب العجيبة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved