معهد كونفوشيوس.. ومعضلة قوة الصين الناعمة

محمد المنشاوي
محمد المنشاوي

آخر تحديث: الخميس 12 أبريل 2018 - 10:15 م بتوقيت القاهرة

معركة حامية تدور بين واشنطن وبكين بعيدا عن الحرب التجارية المعلنة بين الطرفين، والتى أشعلها فرض الرئيس دونالد ترامب لتعريفات جمركية على منتجات صينية تقدر بمئات المليارات من الدولارات، إضافة لفرضه عقوبات بسبب سرقات ملكية فكرية تقوم بها الصين وتقدر بمئات المليارات طبقا لما ذكره ترامب. وعنوان هذه المعركة الممتدة داخل أكثر من مائة جامعة أمريكية «معهد كونفوشيوس».

وكانت الحكومة الصينية قد أسست عام 2004 معاهد كونفوشيوس لتعميم وتعليم اللغة الصينية ونشر الثقافة الصينية حول العالم، وهى مؤسسات غير ربحية للتعليم والتبادل الثقافى تنتشر فى كل قارات العالم فى أكثر من مائة دولة من خلال أكثر من 400 معهد كونفوشيوس فى الجامعات، وأكثر من 500 مركز لتدريس اللغة الصينية خارج الجامعات. ويعرض موقع المعهد الإلكترونى قائمة أعمال معاهد كونفوشيوس، والتى تغطى مجالات تعليم اللغة الصينية وتنظيم مختلف الأنشطة التعليمية والثقافية وغيرها من الأنشطة فى مجالات التبادل والتعاون الصينى الأجنبى. وتشمل الخدمات التى تقدمها، « تعليم اللغة الصينية، تدريب معلمى اللغة الصينية المحليين، تقديم المواد التعليمية للغة الصينية، عقد اختبارات تحديد المستوى فى اللغة الصينية، منح شهادات تأهيل المعلمين فى اللغة الصينية، وتقديم المعلومات والاستشارات حول التعليم والثقافة والاقتصاد والمجتمع الصينى وعمل الدراسات حول الصين المعاصرة».

***

وجاء توسع وانتشار هذه المعاهد مصاحبا لما تشهده الصين من تطور غير مسبوق فى الاقتصاد وما يتبعه من زيادة التبادل التجارى والثقافى بينها وبين بقية العالم، وهو ما يعنى وجود حاجة ماسة لدراسة اللغة الصينية فى مختلف دول العالم. ويذكر موقع المعهد «فى سبيل الإسراع فى دفع اللغة الصينية على المستوى الدولى والارتقاء بقدرة تأثير الثقافة الصينية عالميا، فقد بدأت الصين منذ عام 2004 وبناء على الاستفادة من خبرات دول مثل إنجلترا وفرنسا وألمانيا وإسبانيا فى نشر لغاتها الوطنية، فقد سعت الصين إلى تأسيس «معاهد كونفوشيوس» خارج الصين كمعاهد تعليمية غير ربحية تهدف إلى تعليم اللغة الصينية ونشر اللغة الصينية حول العالم».

إلا أن ما يراه بعض الخبراء الغربيين من لهفة الصين على التوسع بتأسيس هذه المعاهد داخل الجامعات أثار جدلا وشكوكا كبيرة حول أهدافها الحقيقية. إذ يراها البعض أداة ترتبط بدورها بالقيادة المركزية القوية للحزب الشيوعى. ويرى بعض الأكاديميين الغربيين أن فكرة وفلسفة المعهد تناقض الثوابت المسموح بها فى المجتمعات الديمقراطية مثل السماح بالاستماع لأصوات معارضة للحكومة الصينية فى هذه الحالة، أو عدم مناقشة قضايا خلافية للصين مثل موضوعات حقوق الإنسان والأقليات العرقية والدينية داخل الصين. لهذه الأسباب يرى بعض الأكاديميين أن المعهد يفرض أسلوبا تسلطيا فى مجتمعات تنعم بالحريات الأكاديمية وحريات التعبير عن الرأى. ويضيف عامل السرية على اتفاقيات تأسيس هذه المعاهد الكثير من الشكوك عما تحتويه بداخلها، ولا تسمح اتفاقيات تأسيس هذه المعاهد بنشر الاتفاق أو عرضه على الرأى العام المحلى فى الدول المختلفة. ويختلف معهد كونفوشيوس عن معاهد حكومية مختلفة مثل المجلس البريطانى أو معهد جوته الألمانى أو أليانس فرانسيز أو المراكز الثقافية الأمريكية فى كونهم لا يؤسسون معاهدهم داخل الجامعات، ويسمحون كذلك بهامش نقد كبير لسياسات الدول الأم المؤسسة، وبدرجة معقولة من شفافية التمويل والإنفاق.

وفى الوقت الذى يخشى فيه أكاديميون أمريكيون حدوث عمليات غسيل مخ للطلبة الأمريكيين خاصة فى ظل ما يبدو أنه انتهاك للحريات الأكاديمية، واحتمال وجود أجندة صينية سياسية من وراء تمويل ونشر هذه المعاهد، يدافع عنها الكثير من الأكاديميين. وتدافع كاثرين جونسون رئيسة معهد كونفوشيوس بجامعة سان كلود بولاية مينيسوتا الأمريكية بالقول: «سمح المعهد بتعلم أكثر من خمسة آلاف من مواطنى وسط مينيسوتا اللغة والثقافة الصينية من خلال البرامج المقدمة من المعهد للجامعة وبعض برامج المدارس الثانوية». ويدرس بعض الطلاب المناهج الأمريكية باللغة الصينية، و«ليس برامج أو مناهج حكومية صينية مليئة بالبروباجندا كما يعتقد ويروج البعض». وتمنح هذه المعاهد عشرات ومئات المنح الدراسية للسفر وتعلم اللغة والثقافة فى الصين على نفقة الحكومة الصينية، ولا تقتصر المنح فقط على الطلاب بل تمتد للمدرسين والأساتذة الجامعيين.

ويرى آخرون أن خبرة معاهد كونفوشيوس تسمح للطلاب الأمريكيين أن يتعرفوا على الصين، صاحبة ثانى أكبر اقتصاد فى العالم، وأحد أكبر الشركاء التجاريين للولايات المتحدة. وتسمح هذه الخبرة بفتح أبواب وفرص لا تحصى فى الاقتصاد العالمى لهؤلاء الطلاب والأكاديميين ويستفيد منها بطرق مباشرة وغير مباشرة قطاع الأعمال الأمريكى فى التعامل مع الصين.
***
ووسط هذا الجدال، يطالب الكثير من أعضاء مجلس الكونجرس أن يسجل المعهد نفسه مع وزارة العدل الأمريكية كوكيل لحكومة أجنبية، وهو الإجراء المتبع مع شركات اللوبى التى تعمل بمقابل مادى لخدمة مصالح دول أجنبية داخل الولايات المتحدة. وقدم منذ أيام السيناتورين الجمهوريين من ولاية فلوريدا وأركانسو ماركو روبيو وتوم كاتون مشروع قرار «شفافية النفوذ الأجنبى» والذى يطلب من معاهد كونفوشيوس أن تسجل نفسها تحت قانون معروف اختصارا باسم FARA «تسجيل العملاء الأجانب» التابع لوزارة العدل الأمريكية. وتجىء هذه التحركات وسط زيادة قلق مسئولين أمريكيين مما يرونه «تغلغلا صينيا فى الجامعات الأمريكية»، وستتطلب هذه التشريعات نشر كل المنح المالية والهدايا التى تصل قيمتها أكثر من 50 ألف دولار ويكون مصدرها من خارج الولايات المتحدة، وتتمتع هذه النداءات بدعم متزايد داخل الحزبين الجمهورى والديمقراطى والرئيس ترامب أيضا، ويساعدها المناخ الشعبوى الذى أفرزه فوز ترامب.

وترد الحكومة الصينية على هذه المضايقات والمواقف الأمريكية الحادة بالقول وكما جاء على لسان المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية «أن هذا التركيز على الصين ومعاهد كونفوشيوس يرتبط بمواقفهم المعارضة لتقدم وتطور وصعود الصين».
وبين هذا وذاك، يبدو أن طموحات الصين من خلال استخدام قوتها الناعمة لن تكون معركة سهلة وسط ساحات المعارك التى لا تحصى مع المنافس الأمريكى.

ملحوظة هامة: علمت من خلال قراءاتى الأخيرة حول الصين، وجود معهدين لكونفوشيوس، الأول بجامعة القاهرة، والثانى بجامعة قناة السويس.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved