فتنة الفضاء فى السجال الدينى

خالد محمود
خالد محمود

آخر تحديث: الخميس 12 مايو 2011 - 9:20 ص بتوقيت القاهرة

أدانت لجنة تقصى الحقائق فى أحداث إمبابة قنوات الإثارة والسجال الدينى فى إثارة الفتنة الطائفية والمساهمة فى إشعال لهيب الخلافات والعصبية الدينية بين الشعب المصرى. الإدانة جاءت سريعة للغاية، لكنها توحى قطعا بأن سلوك وآراء وشواهد مشعلى النيران يقف وراءها جزء من تأثرهم الشديد بما تبثه مثل هذه القنوات من نداءات مباشرة وغير مباشرة تغلى الدماء وتلعب بالمشاعر وعليها، وعندما تخاطب العقول لا تعترف بميزان واعٍ ومستنير فى لغة الخطاب، وبالقطع جاءت الإدانة أيضا تعتمد على ميراث قديم من خطايا هذه القنوات التى فاقت حسناتها بمراحل.

كان من الممكن ألا ترتبط «الإثارة» بفضائيات «السجال الدينى» سواء كانت مسلمة أو مسيحية، لو أنها التزمت بغذاء الأرواح والعقول بمنطق التعامل مع الآخر وتكريس برامجها لفضائل التسامح ونبذ العنف وحب الوطن وتعاليم أصول الدين فى صورة لا تعرف التعصب. لكن منذ الوهلة الأولى وهذه القنوات يحيط بها الغموض ودائما لا تجد إجابات الأسئلة مثل الهدف، والتمويل، والرؤية، وثقافة وعلم معدى ومقدمى برامجها، والوجوه التى تظهر على شاشاتها.

ومن قبل صرخت كل اللجان الرسمية وغير الرسمية بأعلى صوتها تحذر مما تبثه قنوات السجال الدينى، وكذلك فيديوهات اليوتيوب، وخطورة دعوتها لنفى الآخر لكن لا أحد من المواطنين وعى لذلك. فأيها الأخوة والأخوات فى بلدى لا تنصتوا بكامل عقولكم ولا تسلموا مشاعركم لهذه القنوات وما تطرحه من مناقشات فى أمور دينية وعقائدية تؤدى إلى تعميق النزاع والاحتقان والتجريح والإساءة. وعلى كل طرف إدراك أن حرية التعبير عما يؤمن به لا تعنى التطاول على الطرف الآخر ولا الاستعلاء والشعور بالأفضلية.

كنت لا أقف كثيرا عند من يقول إن فضائيات السجال الدينى يمكن أن تؤدى إلى حرب أهلية. كان لدى يقين بأن من يتحدثون فى الدين يعمر الإيمان قلوبهم ونواياهم فى بث روح الطمأنينة والمحبة والإخاء والسلام مع الآخر، لكن يبدو أن هناك من استغل هذه الوسيلة الإعلامية لغير ذلك، لمن يريد سقوط الوطن فى فخ نخشاه جميعا.. وإن لم ينتبه الجميع سندفع كلنا إلى الهاوية.
إن السجال الدينى الحادث الآن فوضى من الأحاديث التليفزيونية والاشتباكات على القنوات وصدامات على شبكة الإنترنت تحولت إلى سوق من العصبية الكلامية، ووهنت فيه الأخلاق وتراجعت كل معالم التحضر التى يبنيها التفكير العلمى والإبداع الفنى ويساهم الدين فى تنميتها.

عن المشهد يتصدره الآن دعاة احترفوا دغدغة غرائز مريديهم بسيل من المعارك الوهمية بعد أن أطاحوا بعلماء الفكر المحافظ من قلب المشهد. هؤلاء لا يهمهم مصير وطن، بل يؤمنون بأنه كلما زادت التوترات كثرت النجاحات.. وهى نجاحات زائفة، وليست سجالا دينيا بل فتنة أصبح وأدها فريضة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved