رحل بن لادن فى الوقت المناسب

جميل مطر
جميل مطر

آخر تحديث: الخميس 12 مايو 2011 - 8:58 ص بتوقيت القاهرة

 حاولنا، قبل أن يموت بن لادن، أن نقنع الرأى العام الأمريكى خاصة والغربى عامة، أننا مسالمون وفشلنا. بل اجتمع قادة الغرب على سياسة مواجهة ضدنا. قمعوا حرياتنا وحرمونا من حقوقنا وجردونا من إنسانيتنا حين فرضوا علينا التحالف معهم فى حرب ليست حربنا، وبعد أن أخفوا عنا حقيقة أهدافهم عندما أطلقوا عليها عنوان الحرب العالمية ضد الإرهاب، حولونا إلى حراس سجون وشياطين تعذيب. عذبوا ضمائرنا لأننا عرب ومسلمون من الجذور نفسها التى خرج منها أسامة بن لادن.

●●●


نصبوا علينا حكاما مستبدين، وأمدوهم بالعون والسلاح، وتركوهم ينهبون العون وثروات البلاد. جندونا مرتين، مرة ليقودنا بن لادن فى حرب ضد الاتحاد السوفييتى أراد الأمريكيون أن يسبغوا عليها صفة القداسة ليطردوا الجيوش السوفييتية وتحل جيوشهم محلها. وفى المرة الثانية جندونا لنبحث معهم عن بن لادن وأنصاره وحلفائه ولكونها حربا غير مقدسة أطلقوا عليها حربا ضد الإرهاب. فى المرتين أطاع بعض حكامنا الأوامر الصادرة من واشنطن، رحنا نساعد حربا فى بلد لا يعرفنا ولا نعرفه، بلد أبعد كثيرا من آخر بلاد العرب، اشتركنا فى عمليات جهادية اسلامية أمريكية تحت قيادة مشتركة من مجاهدين أمريكيين وإسلاميين على رأسهم بن لادن، الرجل الذى عاش ومات قبل أن يعرف أن تحرير فلسطين وأراضى العرب من الصهيونية والاستبداد له أسبقية على تحرير بلاد الأفغان والباكستانيين، وأن شركاءه المجاهدين الأمريكيين سينقلبون عليه ويعتبرونه إرهابيا.

تخلى بن لادن عن أداء مهمة تحرير فى بلاده وأهله وراح يحتل بلدا سبق له أن حرره من استعمار السوفييت. ومن هذا البلد انطلق يقتل المدنيين فى كل مكان. والآن بعد أن مات بدون محاكمة وبعد أن ضاعت الفرصة لن نجد من يقدم للأمة العربية والاسلامية كشف حساب. يوضح حجم الضرر الذى ألحقه هو وأتباعه بهذه الأمة. ألم تستخدمه أمريكا، هو وأتباعه، حجة لغزو العراق متسببين فى قتل مليون أو أكثر من عرب العراق ومسلميه؟ وقبل العراق ألم تستبح أفغانستان بحجة القضاء على طالبان الذين تعهدوا بحمايته وقدموا له المأوى والأمان؟ ألم يتسبب فى أن يشن الغرب الحرب العالمية ضد الإرهاب فيمد فى عمر حكومات عربية مستبدة وفاسدة؟.

●●●


مات بن لادن تاركا وراءه متطرفين إسلاميين أكثر عددا من كل من جندهم فى حياته ودربهم على تفجير السيارات والبنايات والطائرات. وكان له هو وأمثاله، الفضل فى اختراع القنبلة البشرية، إنسان منزوع العقل والإرادة يرتدى أحزمة متفجرات ومعه إنسان آخر منزوع الضمير، وإن شريكا فى عملية جهادية، مهمته الضغط على زر فينفجر رفيق جهاده إلى أشلاء مختلطة بأشلاء عشرات الأبرياء الذين لا صلة لهم أو قرابة بالشيطان الأمريكى ولا مبرر لأن يموتوا على هذا النحو، أو على أى نحو آخر يختاره بن لادن أو أى مهووس آخر.

رحل بن لادن، مخلفا وراءه ثقافة إرهاب وعنف وتطرف وجرائم، سنحتاج إلى أعوام عديدة لنطهر عقولنا وقلوبنا وعقيدتنا الإسلامية منها. هذا الرجل وأمثاله تسببوا فى زيادة معاناة ملايين العرب والمسلمين المحرومين من نعمة الديمقراطية والسلام الاجتماعى، وتسببوا فى تعطيل مسيرة تلك الملايين نحو الثورة على الظلم والتخلف الدينى والمجتمعى، وجمدوا الأمل فى تحرير فلسطين بعد أن نصبوا الدين الاسلامى صانعا أول للأزمات والفرقة بين الشعوب ومرادفا للتعصب والعنف، هكذا حرروا إسرائيل من عقدة الانفراد بالاتهام بإشاعة جو التوتر فى الشرق الأوسط.

ما كان يمكن لبن لادن أن يجمع أتباعا وحلفاء ويجند للحرب ضده حكاما من العرب والمسلمين ويهدد الإسلام دينا وثقافة وتاريخا لو لم يجد من يرفعه إلى مستوى الأسطورة. كان أسطورة بمعنى اكتسابه لمدة طويلة حصانة غير عادية ضد القتل والمؤامرة والانقلاب والفشل. لا شك عندى فى أن الإعلام الأمريكى بالاشتراك مع أجهزة الأمن الأمريكية والباكستانية ساهمت فى صنع الأسطورة وترويجها عالميا. أسطورة صنعتها أمريكا وحافظت عليها حتى جاء يوم لم يعد بن لادن الشخص مفيدا لمصالح أمريكا الاستراتيجية. أو يوم تفقد فيه الأسطورة سبب وجودها.

انتهت الأسطورة بعد أن نشبت الثورات فى العالم العربى وقبل أن تنشب ثورات مماثلة وربما أعنف فى دول إسلامية غير عربية. قد لا توجد علاقة مباشرة بين بن لادن والثورات العربية، ولكن العلاقات غير المباشرة كثيرة. فالثورات نشبت للتخلص من عنف الحكومات العربية واستبدادها وللتخلص من ممارسات التعذيب والاختطاف والمطاردة، وكلها مارستها حكومات الاستبداد العربى تحت عنوان الحرب ضد الإرهاب. شوهت هذه الحرب سمعة الدول العربية والإسلامية كافة وشوهت مجتمعاتنا ومزقت النسيج الوطنى فى عدة دول، فكان لابد من أن نحاول، كل دولة على حدة، فرز صفوفها وإعادة ترتيبها وإخراج مجتمعاتها المدنية من بوتقة القمع وبناء منظومة حقوق وحريات حيث لا توجد حقوق وحريات.

●●●


لم يحقق بن لادن نصرا واحدا لأمته فى أى ميدان من ميادين الجهاد. لم تستفد دولة أو أمة عربية من جهاده وجهاد أتباعه، بل على العكس أصابها ضرر عظيم. يكفى أنه ترك وراءه ثقافة تخريب وإرهاب وتعصب وفتن طائفية، فضلا عن وجود أمريكى فى بلد عربى وآخر فى بلد إسلامى. خرج بن لادن من الساحة فى وقت كانت كل الساحات تستعد لاستقبال ثوار حقيقيين. هؤلاء، دون أن يخططوا حركوا مياها فى الشرق الأوسط كانت راكدة، وهم الآن يجبرون الولايات المتحدة على اللحاق بهم إن أرادت أن يكون لها دور فى صنع مستقبل هذه المنطقة. إن مصر بثورتها، وبدون بن لادن الشخص والاسطورة وجماعاته الجهادية، وبدون زوبعة إعلامية، وبدون ادعاء القداسة والاحتماء بعباءة الدين، أعادت إلى صدارة الاهتمامات المصرية أولوية وحدة الوطن والأمل فى تنمية سريعة وعادلة وإلى صدارة الاهتمامات العالمية قضية فلسطين والصراع العربى الإسرائيلى. انتهى العهد حين كانت القوى الإقليمية الثلاث، تركيا وإسرائيل وإيران تتنافس على صنع مستقبل للإقليم فى غياب كل العرب، كان العرب متفرجين على عملية بناء مستقبل ليسوا شركاء فيها. فجأة وجد الإقليميون الكبار مصر أمامهم وليس خلفهم. حينها كتب محلل إسرائيلى يقول «لقد انهارت من أساسها بنية تحليلاتنا».

●●●


هذه الثورات، قادرة وكافية، على تحويل الغضب من اليأس إلى الأمل ومن التعصب إلى التسامح. قد يظهر بن لادن جديد بل مئات وألوف من نوعه ولكنهم لن يجدوا فى انتظارهم إلا البلهاء والعدميين.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved