إيران (الرئيس القادم لعدم الانحياز)

رخا أحمد حسن
رخا أحمد حسن

آخر تحديث: السبت 12 مايو 2012 - 8:30 ص بتوقيت القاهرة

إن مؤتمر وزراء خارجية دول عدم الانحياز فى شرم الشيخ بمثابة الخطوة قبل الأخيرة لتولى إيران رئاسة حركة عدم الانحياز ابتداء من القمة التى ستعقد فى طهران فى صيف 2012، وستستمر رئاستها لعدم الانحياز على مدى ثلاث سنوات، تتولى فيها تسيير الحركة وفقا للمبادئ الأساسية لها وما أضيف إليها عبر السنين، وأصبحت مقررات وزراء الخارجية فى شرم الشيخ ناجزة مع انتهاء المؤتمر لعرضها على القمة فى طهران للاعتماد بعد إدخال ما تراه من تعديلات وإضافات عليها.

 

●●●

 

وستتولى إيران رئاسة الحركة ــ فى ظل أوضاع وظروف مركّبة تحيط بإيران على عدة مستويات داخلية، وإقليمية، ودولية.

 

فعلى المستوى الداخلى فإن الصراع بين التيار الإصلاحى منذ فترة حكم الرئيس خاتمى والتيار اليمينى المتشدد، يتفاعلان بقوة، أحيانا فى هدوء تحت السطح، ولكن سرعان ما يطفو وينقلب إلى انتقادات علنية حادة ومظاهرات صاخبة. وما بين الهدوء والصخب فإن المجتمع الإيرانى يشهد تغييرات وإن كانت بطيئة الا أنها مؤثرة وقد تطفو بقوة إلى المراكز المؤثرة فى صنع القرار، وتحظى بتعايش القيادات الدينية معها عندما تكتشف أن المواجهة والصدام قد لا يكون فى صالح أى من الطرفين.

 

وقد أظهرت الانتخابات البرلمانية الأخيرة التى أجريت فى 2 مارس 2012 وجرت الإعادة على بعض المقاعد (65 مقعدا من 290 إجمالى مقاعد البرلمان)، فى 4 مايو 2012 وحصل فيها خصوم الرئيس محمود أحمدى نجاد ــ بزعامة على لارجانى على أكثر من 70% من إجمالى المقاعد، وهم يكونون ائتلاف المحافظين الموالى للمرشد الأعلى آية الله على خامئنى وهو ما يطرح أسئلة كثيرة حول طبيعة العلاقة بين البرلمان ورئيس الجمهورية فى الفترة المتبقية لرئاسته، وأيضا تثير سؤالا حول من سيكون الرئيس القادم لإيران ومن أى اتجاه، حيث إن انتخابات الرئاسة الإيرانية القادمة ستجرى وهى مازالت ترأس حركة عدم الانحياز.

 

وإن ما يساعد على وحدة وتماسك الموقف الداخلى فى إيران، السعى الدءوب لإسرائيل بالتعاون مع الولايات المتحدة وعدد من الدول الغربية إن لم يكن معظمها لفرض العزلة والحصار على إيران بدعوى أنها تعمل على الإسراع فى عملية تخصيب اليورانيوم لإنتاج أسلحة نووية وقد أكد المسئولون الإيرانيون أكثر من مرة أنهم لا ينوون ولا يسعون إلى إنتاج أسلحة نووية، وأن الأهداف الرئيسية من عمليات تخصيب اليورانيوم الاستخدام السلمى فى مجالات الطاقة والزراعة والصناعة والعلوم والطب. وصدرت عن أعلى القيادات الدينية وعلى رأسهم آية الله على خامئنى تأكيدات بأن إنتاج واستخدام الأسلحة النووية مخالف للشريعة الإسلامية. يضاف لذلك كله أن إيران موقعة على اتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية وتخضع وتستجيب لرقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية وهامش الخلافات معها محدود.

 

وبسبب ملفها النووى تتعرض إيران لعقوبات اقتصادية ومالية وتجارية وعزلة دبلوماسية، وقد أدى ذلك كله إلى صعوبات اقتصادية تمس حياة المواطن الإيرانى وتؤثر على القطاعات الإنتاجية. ولكن إيران منذ حربها مع العراق التى امتدت إلى نحو تسع سنوات وما أعقبها من عمليات إعادة البناء، وهى قد تعودت وتمرست بتحمل هذه الصعوبات والعمل على الخروج منها بإيجابيات سواء بتنمية صناعاتها وخاصة الصناعات العسكرية، وزيادة معدلات الإنتاج، والسعى للتواصل مع شركاء جدد فى التجارة والاستثمار والتعاون المشترك، فى جميع القارات خاصة آسيا وأمريكا اللاتينية وأفريقيا.

 

●●●

 

من الجدير بالأخذ فى الاعتبار أن من أسباب قلق إسرائيل والولايات المتحدة والدول الغربية من السياسات الإيرانية ليس فقط ما يتعلق بملفها النووى، وإنما أيضا إزاء تحرك إيران النشط ودعم حلفائها سواء سوريا أو حزب الله فى جنوب لبنان أو حركة حماس فى غزة، واتخاذها موقفا متشددا من الاحتلال الإسرائيلى للأراضى العربية وسياساتها العنصرية والعدوانية ضد الشعب الفلسطينى. هذا إلى جانب تدعيم إيران لعلاقاتها مع عدة دول لاتينية مناوئة للسياسات الأمريكية ويأتى قبل ذلك كله دور إيران وهى قوة إقليمية فعالة فى منطقة الخليج خاصة بعد أن دمرت الولايات المتحدة الأمريكية القدرات الرئيسية للعراق عسكريا واقتصاديا والقوى البشرية المنتجة واستنزفت معظم موارده وأثقلته بأعباء ستلتهم الجزء الأكبر من موارده لسنوات قادمة. وهو ما أدى إلى أمرين فى غاية الأهمية، أولهما توغل إيران فى الشئون العراقية بصورة غير مسبوقة وأصبح لها تأثير كبير فى القرارات العراقية الرئيسية. وثانيهما حدوث خلل فى توازن القوى الإقليمى فى منطقة الخليج وأصبحت إيران قوة إقليمية رئيسية لا تقارن بالقوى المحيطة بها. وهو ما يتطلب تكريس الوجود الأمريكى فى الخليج لسد الفجوة فى اختلال توازن القوى والحد من الطموحات الإيرانية. وهذا الموقف أوجد مصالح مشتركة غير مباشرة بين الولايات المتحدة وإيران، وجعل إيران القوية تستدعى البقاء الأمريكى فى المنطقة ولكن بشرط ألا تتعدى قوة إيران حدودا معينة سواء عن طريق فرض العزلة والعقوبات عليها أو تحريض حلفاء أمريكا فى المنطقة والعالم ضدها. كما أن أمريكا قدمت خدمة مجانية لإيران بالقضاء على نظام صدام حسين وتدمير العراق، واسقاط نظام طالبان فى أفغانستان.

 

وأن روسيا والصين تدركان هذا الواقع القائم ولا تقبلان بتحجيم علاقاتهم الاقتصادية والتجارية مع إيران، ولا تقران بالتمادى فى فرض العقوبات عليها إلا فى حدود معينة، وهما لا ترغبان فى أن تستأثر الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون بكل دول منطقة الخليج الغنية بالبترول سواء من حيث الإنتاج والتصدير أو الاحتياطى وحاجة هذه الدول إلى استيراد السلع والتكنولوجيا وتنويع مصادر السلاح حتى ولو فى حدود ضيقة.

 

●●●

 

وتتسم علاقات إيران مع دول الخليج العربية بسمات خاصة تجمع ما بين المخاوف من تنامى قوتها العسكرية ونمو طموحاتها الاستراتيجية والسياسية واحتمال اتجاهها ذات يوم لإنتاج أسلحة نووية مهما كان هذا الاحتمال ضعيفا أو مستبعدا فى المرحلة الحالية، هذا من جانب وعلى جانب آخر فلكل هذه الدول العربية الخليجية علاقات تجارية وثقافية وسياحية قوية مع إيران إلى جانب وجود أقليات إيرانية فى كل دول الخليج العربية تتفاوت نسبتها من دولة إلى أخرى ما بين 10% إلى 60% من إجمالى السكان وهى أقليات نشطة للغاية فى مجالات التجارة والاستثمارات والثقافة والفنون والطب وغيرها من الأنشطة المهنية.

 

ولا شك أن تولى إيران رئاسة حركة عدم الانحياز فى ظل أوضاعها السالف إيجازها بمثابة مكسب وحافز لها على أن تبذل المزيد من الجهود فى المحافل الدولية والإقليمية لتثبت أن محاولات عزلها لم تنجح، واكتساب مزيد من الدول المتعاطفة معها. كما سيجعلها تخاطب كل هذه المحافل مرتين وبصفتين، واحدة بلسان إيران وسياساتها الذاتية، والاخرى نيابة عن دول حركة عدم الانحياز. وستكون الجمعية العامة للأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة على رأس هذه المحافل التى ستحظى باهتمام خاص من إيران للدفاع عن المصالح الاقتصادية والتجارية والاستثمارية ونقل التكنولوجيا لدول عدم الانحياز، ومنها إيران.

 

●●●

 

كما تأتى رئاسة إيران لعدم الانحياز فى ظل ثورات الربيع العربى التى ماتزال محتدمة لنحو عام ونصف العام وما قد تحمله فى طياتها من اتجاه نحو تهدئة المخاوف وإزالة الحساسيات فى العلاقات العربية الإيرانية وإحلال التعاون بدلا من التباعد والتنافر. وإن كان ذلك لا ينطبق على كل الدول العربية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved