مناورات

داليا شمس
داليا شمس

آخر تحديث: الأحد 12 مايو 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

تتزايد مساحات المناورة بيننا أكثر من أى وقت مضى.. طرف يسعى للتلاعب بالآخر وتغيير الاتجاه لمصلحته، سواء تعلق الأمر بالسياسة أو التسويق أو الإعلام أو الموضة أو الإدارة أو العلاقات الشخصية... المجال مفتوح أمام الجميع حتى يتأتى لطرف أن يؤثر فى طرف لإخضاعه أو لجعله يفكر ويتصرف بشكل معين. من منا لم يشتر شيئا وهو ليس بحاجة إليه تحت تأثير الإعلانات؟ من منا لم يستجب لطلب أو دعوة وهو غير راغب فى ذلك؟ من منا لم يخضع لتأثير تيار بعينه؟ من منا لم يتعرض لضغط أو استعطاف شخص قريب لا يريد الخروج وحده فى عطلة نهاية الأسبوع ويسعى لأن نصطحبه بالسيارة لغرض فى نفسه؟ ونقف حائرين: «مين بيقول الحق؟!» على طريقة برنامج المنوعات الشهير الذى يدعى فيه أشخاص ثلاثة أنهم الشخصية نفسها وعلى الضيوف اكتشاف الحقيقة.

 

●●●

 

المناور يناور.. بوعى أو لا وعى، ويضرب على الوتر الحساس، مستغلا نقاط ضعف الآخر، يأخذ ولا يعطى، وغالبا ما يشد الخيوط عن بعد أو «يضرب بيد من حديد فى قفاز من المخمل»، وإذا اعترض الخصم أو تمردت الضحية على توزيع الأدوار تحدث القطيعة أو نتجه أكثر فأكثر إلى العنف اللفظى أو الجسدى.

 

●●●

 

يتفاقم هذا النمط من العلاقات فى ظل المجتمع الاستهلاكى والاقتصاد الليبرالى، فالمناخ العام يؤدى بنا إلى تنافسية مبالغ فيها حتى فى العلاقات بين البشر، وتتحول العلاقة من تبادل حسى وعاطفى وعقلى إلى توازن قوى وأنانية ونرجسية وتسجيل أهداف لصالح كل طرف وإثبات أنه على حق، لا مجال إذاً لحساسية المشاعر والتضامن والإنصات ووضع أنفسنا مكان الشريك أو الصديق، فنحن نبحث عن اللذة أو المنفعة فى كل شىء وإذا انتفى ذلك أو حدث ما يعكر صفوه تنهار العلاقة لأن أصحابها لا يريدون خوض معارك أو أزمات. هذا ما تشرحه بالتفصيل الأخصائية النفسية الفرنسية ــ كريستين كالون ــ فى كتابها «سوء استخدام السلطة على النطاق الشخصى» أو (Petits abus de pouvoir en prive ) وتحاول تطبيقه على علاقات الحب والزواج أو الصداقة، مع التوضيح الفارق بين المناور المحترف (السيكوباتى أحيانا) والهاوى الذى قد يمارس حيلا صغيرة من باب الشقاوة أو اللهو البرىء.

 

●●●

 

قد تعيد قراءة المشهد من حولك على ضوء مثل هذه النوعية من القراءات وتفككك العلاقات وتحلل سلوك المحيطين، بل وتتعرف على أشكال من الإطراء أو الغواية أو الحرد أو البكاء أو تكريس الشعور بالذنب لدى الآخر التى تندرج ببساطة تحت بند «وسائل للمناورة» وتحقيق المآرب: تلك الصديقة التى تعزف على نغمة الوحدة لتستدر عطف صديقها وتشعره بأهميته وتستمر فى وضع السيطرة وفرض حضورها، الزوج الذى يضع نفسه دوما فى موقف الضحية وينكر البديهيات ولا يحتمل النقد ويعطى إجابات مطاطة ويستثير غضبك ثم يلومك عليه، الزميل الذى قد يقنعك بمساعدته فى البداية ثم يشد الحبل فتجد نفسك تقوم بعمله، الشلة التى قد تتسرب إلى حياتك فتخربها عن بعد لشعور دفين بالغيرة أو بدافع الاستحواذ.. قد تتعرف من حولك على العديد من المناورين الذين يصنفون إلى نوعين أساسيين: المناور النرجسى، والمناور النرجسى الذى يميل للإيذاء... هذا بخلاف الخبثاء الذين نحتك بهم يوميا والذين يعتمدون أسلوب المناورة والمراوغة كوسيلة أساسية للدفاع عن النفس، فى مجتمع «كله يلعب فيه على كله».

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved