من فات قديمه تاه

الأب رفيق جريش
الأب رفيق جريش

آخر تحديث: السبت 12 مايو 2018 - 9:25 م بتوقيت القاهرة

يقول المثل المصرى «من فات قديمه تاه» وهذه حقيقة، من فات أو ترك أو تنصل عن جذوره تاه وهذا ما يختبره المصريون الذين لظروف مختلفة هاجروا من الوطن ولكن يظلون محتفظين بالحنين إلى ترابه وهوائه وسمائه ومياه نيله، وهذا ما يختبره أيضا كل من عاش على أرض مصر من جاليات لجنسيات مختلفة، يونانية أو قبرصية أو إيطالية أو فرنسية أو بلجيكية أو عربية، فمصر تكاد تكون البلد الوحيد التى يحمل من عاش على أرضه جنسيتها محفورة فى قلبه بجانب جنسية أخرى، فنستطيع أن نقول يونانى ــ مصرى، إيطالى ــ مصرى، فرنسى ــ مصرى وهكذا... أى إن الجذور مصرية وهم يتفاخرون بذلك، فالجنسية المصرية أبعد عن مجرد وثيقة هوية أو وثيقة سفر بل هى حالة يكون فيها الإنسان الذى عاش على أرضها وتعايش مع سكانها وتفاعل مع حضاراتها وتاريخها.

فقد انطلقت من الإسكندرية مبادرة الرئيس عبدالفتاح السيسى بعنوان «إحياء الجذور» وذلك بهمة ونشاط وزيرة الهجرة السفيرة نبيلة مكرم، فهدف المبادرة التى هى الأولى من نوعها هو الاحتفال بالجاليتين اليونانية والقبرصية التى عاشت فى مصر فى فترات سابقة خاصة ما بين القرن الثامن عشر والعشرين ومازال بعضهم يعيشون بيننا إلى الآن ــ وتركوا إرثا وأثرا إنسانيا طيبا فى نفوس المصريين، إذ شاركوا فى نهضة مصر الثقافية والصناعية والتجارية وغيرها.

هذا النوع من المبادرات يعطى للعالم درسا حضاريا بأن مصر لا تنسى الذين ساهموا فى نهضتها ومازالت تمد جسور المحبة والصداقة للجميع فمصر بفعل موقعها الجغرافى هى سُرة الأرض ومعبر من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب، ولعل دمياط ورشيد هما الذراعان المفتوحتان لمصر نحو العالم ونهرها العظيم الصاعد من جذوره الإفريقية يعطى هذا المعنى الذى انطبع على وجه كل مصرى.

يا ليت هذه المبادرات تمتد إلى الجنسيات الأخرى، الإيطالية والفرنسية والبلجيكية والأرمنية وغيرها وحتى وأتجاسر أن أقول ــ علينا البحث عن اليهود المصريين المحبين لمصر، فهم أجدر من يحمل غصن سلام فى أرض تحترق ظلما وعدوانا، كذلك لا ننسى العرب الذين عاشوا فى مصر خاصة الشوام (لبنانيين كانوا أو سوريين) والذين ساهموا فى نهضة مصر الثقافية والصناعية والتجارية والإعلامية وساهمت من خلال تعدد اللغات فى انفتاح مصر نحو العالم منذ القرن الثامن عشر وكانت للسفارة اللبنانية فى مصر باع طويل فى هذا المجال بفضل سفرائها المتعاقبين وسفيرها الحالى السيد على الحلبى.

نحيى السيد الرئيس على تلك المبادرات الجميلة والعميقة فى معناها ونشكره ألا يعتبر السوريون لاجئين ــ بل شعورهم أنهم فى وطنهم الثانى وكذلك نحيى رئيس اليونان وقبرص وحكومتها على تشجيع مبادرة مصر.

كما نحيى الوزيرة نبيلة مكرم وزيرة الهجرة والمصريين بالخارج متمنيا منها البحث عن الجاليات الأخرى والاتصال بالعلماء والكتاب والمثقفين والسياسيين الذين لهم جذور فى مصر وهم كثر، فهنيئا لنا بعودة مصر إلى الساحة العالمية السياسية والإنسانية على حدٍ سواء.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved