غياب اليقين

سامح فوزي
سامح فوزي

آخر تحديث: الثلاثاء 12 مايو 2020 - 9:05 م بتوقيت القاهرة

أخطر ما يحمله وباء كورونا هو غياب اليقين، وهو ما يجعل التساؤلات أكثر من الإجابات، ليس فقط محليا، ولكن دوليا أيضا. لم يعد الجنوب أقل تقدما ينتظر إنجازات الشمال المتقدم، الكل الآن تحاصره الأسئلة، ويلهث وراء إجابات. هذه إحدى خصائص الوباء. بالطبع لا يزال الغرب متقدما والجنوب أقل تقدما، لكن كلاهما يبحث عن اليقين فى مواجهة الفيروس القاتل فلا يجد.
من صور غياب اليقين عدم الوصول إلى عقار أو لقاح فى مواجهة الفيروس، وبالتالى يحارب الإنسان شبحا، ينتظر موجة وموجات عنيفة قادمة حتى يتوصل إلى لقاح، ويتشكك «بيل جيتس» فى أحاديثه فى المهلة الزمنية الممنوحة للقاح، والتى قدرها بعض العلماء بسنة ونصف السنة، ويتساءل بلغة تعكس عدم اليقين: لماذا 18 شهرا؟ لماذا لا تكون المدة 15 شهرا أو عشرين شهرا؟
من صور غياب اليقين عدم معرفة ما يجب عمله فى مستقبل قريب نضطر إلى التعايش فيه مع الفيروس، هل نفتح الباب أم نغلقه؟ الإغلاق ضرورة لمنع تزايد حالات الاصابة والوفيات، وفى الوقت نفسه طول مدة الإغلاق تتسبب فى أضرار بالغة للاقتصاد. هذه معضلة العالم كله. عندما طرح بوريس جونسون رئيس وزراء بريطانيا خطته الواردة فى خمسين صفحة للخروج من الإغلاق، ظلت موضوعات مفتوحة، وهواجس عبر عنها العامة فى أسئلتهم له. وهناك تحذيرات فى كل الدول الأوروبية التى تزايدت فيها حالات الاصابة والوفيات من أن يقود تسهيل الإجراءات الاحترازية إلى تبديد الجهود السابقة فى السيطرة على انتشار الوباء. وهو ما عبر عنه جونسون ذاته من أن إغلاق الحركة فى المجتمع حال دون سقوط نحو مائة ألف ضحية لهذا الوباء، علما بأن عدد الضحايا فى بلاده زاد عن اثنين وثلاثين ألفا إلى الآن.
ومن مظاهر عدم اليقين أيضا ضعف المعلومات التى يمكن الاستناد إليها فى وضع سياسات عامة لفترة قادمة. الملفت أن المشكلة ليست فى ندرة المعلومات، ولكن فى كثرتها، وتضاربها إلى حد عدم القدرة على الركون إليها فى ظل متغيرات متلاحقة. من الطبيعى أن تكون هناك مساحات غائمة أو غير واضحة عند اتخاذ قرار أو وضع سياسة لكن تزايد معدلات الغموض يجعل المسألة برمتها أقرب إلى القيادة فى الضباب.
إذن حالة عدم اليقين كونية، وليست محلية فقط، ونوعية النقاشات التى تجرى فى المجتمع المصرى ليست منبتة الصلة عن الجدل العالمى، ولكن تظل هناك اختلافات ينبغى أن نعترف بها أهمها مستوى وعى المواطن، امتثاله للإجراءات الاحترازية التى لم تطبق لدينا على نفس النحو من الصرامة الذى طبقت به فى الخارج، يضاف إلى ذلك جودة الاعلام، وحيوية النقاش، وتوافر الخبرات. وسوف يلازم عدم اليقين الأزمة الراهنة، التى ليس من المعرف موعد نهايتها، وإذا كانت بعض المجتمعات الأخرى قد بلغت ذروتها، وبدأ منحنى الإصابات والوفيات بالفيروس فى الانخفاض، فإن ذلك غير واضح فى مجتمعات أخرى، من بينها المجتمع المصرى، وهو الأمر الذى يزيد من عدم اليقين، ويفرض تساؤلات متداخلة عن مسئولية المواطن والدولة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved