أكثر تشوهًا وأقل ديمقراطية

فهمي هويدي
فهمي هويدي

آخر تحديث: الجمعة 12 يونيو 2009 - 7:23 م بتوقيت القاهرة

 «الانقلاب الأبيض» الذى حدث فى لبنان جاء مفاجئا لكثيرين، أنا أحدهم. ذلك أننا طوال الأسابيع التى سبقت الانتخابات فى السابع من شهر يونيو الحالى، كنا نسمع من المعنيين بالشأن اللبنانى أن النتيجة ستتراوح بين أحد احتمالين، الأول أن تفوز قوى المعارضة (تحالف حزب الله ــ عون) أو أن تفوز الموالاة (الحريرى ــ جعجع) بفارق مقعد أو اثنين.

لكن الذى حدث تجاوز بكثير تلك التوقعات، حيث حقق فريق الموالاة فوزا كاسحا، وتقدم على المعارضة بأربعة عشر صوتا دفعة واحدة، الأمر الذى قلب التوقعات وأحدث صدمة للذين حصروا تنبؤاتهم فى الحدود السابق ذكرها.

منذ ذلك الحين وحتى اليوم. تابعت سيلا من التحليلات والتفسيرات لما جرى. بعضها تحدث عن أخطاء فى بنية التحالف المعارض وسياسته، والبعض ركز على أخطاء فى أداء وخطاب حزب الله ذاته.

آخرون تحدثوا عن أزمة النظام اللبنانى وطائفيته التى تستبعد أى ممارسة ديمقراطية حقيقية، فى حين أشارت كتابات عنه إلى التدخل الخارجى والمالى والسياسى ونجاح حملات التخويف الإعلامية.

ولست فى وارد التحقيق فى تلك الأسباب ومدى صحة بعضها أو كلها، لكننى لا أخفى قلقا من أمرين أظهرتهما الانتخابات بصورة لافتة للنظر. الأمر الأول هو الحفاوة الإسرائيلية والأمريكية والغربية بشكل عام بالنتيجة، التى بدا فيها التهليل لخسارة فريق حزب الله أقوى من الترحيب بنجاح الآخرين.

تجلى ذلك فى عناوين الصحف الإسرائيلية التى صدرت فى اليوم التالى لإعلان النتيجة، إذ كانت العناوين كما يلى: هزيمة لحزب الله فى انتخابات لبنان (هاآرتس) ــ هزيمة لنصرالله (معاريف) ــ حزب الله: خسرنا (يديعوت أحرونوت) ــ لبنان: ضربة لحزب الله (إسرائيل اليوم) ــ (بالمناسبة، فى نفس اليوم 8/6 كان عنوان صحيفة «الشرق الأوسط اللندنية» كالتالى: انكسروا وانتصر لبنان، وهو توافق لا تخفى دلالته).

الصحف الغربية عبرت بصورة أو أخرى عن ذات الموقف. فذكرت «الجارديان» البريطانية أن نجاح الموالاة فى لبنان «قدم لأوباما أول نجاح كبير لسياسته الإقليمية». أما نيويورك تايمز فقالت «إن التحالف الذى تؤيده الولايات المتحدة الأمريكية تمكن من السيطرة على البرلمان»..

وذكرت واشنطن بوست أن «التحالف المدعوم من الغرب فاز بالانتخابات». لا تنس فى هذا السياق الضغوط الغربية التى مورست طوال الأسابيع التى سبقت التصويت.

وكان أبرزها زيارة نائب الرئيس الأمريكى جو بايدن لبيروت، التى اجتمع خلالها بأركان الموالاة، وقال صراحة قبل مغادرته بيروت إن المساعدات الأمريكية للبنان ستتوقف على طبيعة حكومته القادمة، فى إيحاء لا يقبل الشك بأن استمرار تلك المساعدات مشروط بنجاح فريق الموالاة.

هذه الخلفية تدلنا بوضوح على أن الذى انتصر فعلا ليس فريق 14 آذار كما يقال. وإنما هو واجهة لأطراف عدة لا يجمع بينها سوى العداء للمقاومة والحرص على إلحاق لبنان بالسياسات الغربية المهيمنة.

الأمر الثانى الذى يبعث على القلق، أن لبنان خرج من المعركة والانقسامات الطائفية فيه أعمق وأشد مما سبق. وبدا الانقسام السنى الشيعى أكثر حدة من غيره. وثمة إجماع على أن ذلك الاستقطاب الحاد أسهم بشكل كبير فى توسيع الفجوة بين الطرفين لصالح تجمع 14 آذار.

صحيح أن النظام ذاته طائفى فى الأساس، ولكن جسور العلاقة بين السنة والشيعة بوجه أخص ــ ظلت ممتدة طوال الوقت.

ولكن من الواضح أن تلك الجسور انقطعت فى الآونة الأخيرة، وحلت محلها فجوة مسكونة بالمرارة والتوجس وسوء الظن. الأمر الذى يعنى أن لبنان خرج من تجربة الانتخابات وهو أكثر تشوها وأقل ديمقراطية.


هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved