صراع الحصانات!

سلامة أحمد سلامة
سلامة أحمد سلامة

آخر تحديث: السبت 12 يونيو 2010 - 10:22 ص بتوقيت القاهرة

 نحن الواقفين على رصيف الأحداث فى هذا البلد لابد أن نصاب بالجزع والألم والخوف من المستقبل، ونحن نشاهد كل يوم بل كل لحظة ذلك الصدام المروع بين أجنحة فى السلطة وفئات نافذة فى المجتمع.

تنبثق الأزمات بينها من ثقوب سوداء غائرة فى الأعماق، اختمرت تحت السطح. تتفجر وتتصاعد ولا تجد من يسارع إلى إطفائها أو تهدئتها، ولا من يحكم العقل ويقرب بين المعسكرات المتناحرة.

فجأة اشتعلت أزمة حادة بين المحامين والقضاء من ناحية.. ثم بين الكنيسة والقضاء الإدارى من ناحية أخرى. وقد لا يكون بين الأزمتين أدنى صلة. ولكن التأثير النفسى والروحى على جموع الشعب لنشوب أزمتين تفضيان إلى صدام بهذه الحدة، لابد أن يهز أركان المجتمع ويقضى مضاجع المسئولين الذين فيما يبدو أصابهم قدر من الارتباك والحيرة.. فظنوا أن ترك الأمور على حالها دون حل سوف تجعل المشكلة تحل نفسها بنفسها.

لقد كان واضحا منذ البداية أن مشكلة الزواج الثانى عند الأقباط مشكلة معقدة لن يمكن حلها بأحكام قضائية، مهما بدا من الضرورى أن يبسط القضاء أحكامه وتفرض العدالة منطقها. وقد كان الأحرى بالعقلاء فى الكنيسة والجهابذة من القانونيين ورجال القضاء أن يستبقوا هبوب العاصفة، ويبحثوا فيما بينهم ودون صخب أو إعلان عن حل وسط يحفظ للكنيسة كرامتها ويحفظ للقضاء هيبته. والمشكلة ــ فى رأيى ــ تبدأ من اللحظة التى ابتعدنا فيها عن الزواج المدنى سواء للمسلمين أو المسيحيين، وتركنا لرجال الدين حق إبرام عقود الزواج والطلاق. بينما تركنا لمحاكم الأحوال الشخصية حق الفصل فى مسائل النفقة والحضانة وغيرها. وقد خلقت هذه الازدواجية دائرتين للنزاع والصدام استند كل طرف فيها إلى الحصانة التى كفلها الدستور: حصانة لأحكام القضاء من ناحية، وحصانة السلطة الروحية للكنيسة من ناحية أخرى.

أما الصدام الذى نشب بين المحامين والنيابة فى طنطا وأدى إلى اشعال حريق بين الفريقين. شل الدوائر القضائية وعطل مصالح الأبرياء. وخلق جوا من الكراهية بين القضاء الجالس والقضاء الواقف، ضاع فيه احترام كل طرف للطرف الآخر.. ومهما كانت أسباب هذا الخلاف فمرده مرة أخرى إلى تصادم الحصانات المكتسبة التى يتمسك كل طرف فيها بحقه، ولا يقبل الاعتذار والتراجع عن الخطأ وإنما يزداد التربص والتعصب بين فئتين على درجة عالية من المسئولية فى المجتمع. وأسوأ شىء أن يصبح الولاء للفئة مقدما على الولاء للمبدأ وللمصلحة العامة ولسمعة القضاء ومكانته.

وتستفحل هذه الظاهرة فى مجتمعنا بصورة غير طبيعية، أعنى بها ظاهرة إساءة استخدام الحصانة التى يخلعها الدستور والقانون على فئات خاصة أثناء تأدية عملهم. ولكن تعدد أشكال الحصانة وأسبابها بداع وغير داع: حصانة أعضاء مجلسى الشعب والشورى. وحصانة الوزراء ومن فى حكمهم. وحصانة أجهزة الرقابة والضبط. وحصانة رجال القضاء والمحامين. وحصانة رجال الجيش والشرطة. وغيرها من الحصانات التى كثيرا ما تتصادم وتتناقض لأوهى الأسباب. وكثيرا ما يفلت أصحابها من الحساب والعقاب.

كما رأينا فى نواب القروض وتجارة الأراضى وتجارة الأدوية والعلاج على نفقة الدولة. وفى معظم الأحوال فهى حصانات غير منضبطة بقواعد محددة. فضلا عما تنطوى عليه من أسباب الإغراء ممن يحتلون مناصب حساسة. وفى المجتمعات الديمقراطية لا توجد سلطة بغير حساب ولا اختصاص بغير مساءلة.. تطبيق العدالة لا يستثنى أحدا مهما كان.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved