فى التنحى السلامة

أشرف البربرى
أشرف البربرى

آخر تحديث: الخميس 12 يونيو 2014 - 5:10 ص بتوقيت القاهرة

وجود السيد عدلى منصور على رأس المحكمة الدستورية لن يضيف إليه بقدر ما سيخصم من رصيد المحكمة الأعلى فى البلاد. فالرجل الذى تولى رئاسة الجمهورية لمدة عام تقريبا أصدر مجموعة كبيرة من القوانين المثيرة للجدل والمشكوك فى دستوريتها وهو ما يعنى أن الشهور التى سيقضيها رئيسا للمحكمة ستشهد نظرها لطعون فى هذه القوانين وهو ما قد يثير شكوكا حول مصداقية ما ستصدر عنها من أحكام.

فالرئيس المؤقت المعين أصدر فى أقل من عام قوانين مثيرة للجدل لم تصدرها برلمانات منتخبة فى سنوات عديدة بدءا من قانون التظاهر وانتهاء بقانون انتخابات مجلس النواب، مرورا بقانون تنظيم الطعن على عقود الحكومة والمستثمرين وقانون مضاعفة راتب رئيس الجمهورية وغيرها من القوانين التى يرى كثيرون أن بها عوارا دستوريا واضحا.

ولا يشكفى القول إن الرجل لن يشارك فى المداولات بشأن الطعن على هذه القوانين ولن ينظرها لكى نبدد هذه الشكوك لأنه ببساطة سيظل رئيس المحكمة ومن سينظر دعاوى عدم دستورية هذه القوانين هم فى النهاية مرءوسوه، رغم تسليمنا الكامل باستقلالية أى قاضٍ عن رئيسه عند نظر الدعوى. فوجود منصور رئيسا للمحكمة يمثل عبئا أخلاقيا وإنسانيا ثقيلا على هؤلاء القضاة الأجلاء عندما يجدون أنفسهم فى موقف ربما يفرض عليهم القول لرئيسهم بشكل غير مباشر «عفوا أنت لا تعرف الدستور ولم تحترمه فأصدرت القانون وهو معيب دستوريا»، أو أن يجد قضاة المحكمة الدستورية إذا ما أصدروا حكمهم بدستورية القوانين ورفض الطعون لأنها كذلك بالفعل فى مواجهة من يقول «طبعا لابد وأن يصدر القرار بدستورية القانون لأن من أصدر القانون هو نفسه رئيس المحكمة الآن».

ولعل اعتماد الأقدمية المطلقة سبيلا للترقى وتولى المناصب القيادية فى القضاء كان يستهدف فى المقام الأول ألا يراجع الأحدث قرارات الأقدم وهو المبدأ سينسفه وجود منصور فى المحكمة الدستورية لأن المرءوس فى هذه الحالة سيراجع أعمال رئيسه ويقيمها.

وحتى المصادر القضائية التى تحدثت للزميل النابه محمد بصل عن الرئيس الأسبق للمحكمة الدستورية ماهر عبدالواحد الذى كان يشغل منصب النائب العام قبل تعيينه رئيسا للمحكمة حيث أصدرت النيابة العامة تحت رئاسة عبدالواحد قرارا بأنه «لا وجه لإقامة الدعوى» فى إحدى النزاعات المالية، ولكن المتضرر طعن على القانون الذى صدر القرار على أساسه أمام المحكمة الدستورية التى تولى عبدالواحد رئاستها فتنحى عن نظر الدعوى، يفوتهم أمر شديد الأهمية وهو أن الطعن هنا لم يكن على قرار سابق لرئيس المحكمة ولكن على قانون قائم استند إليه الرئيس فى قراره، عكس الحال بالنسبة للسيد منصور.

فما ستنظره المحكمة الدستورية هى أعمال ونصوص تحمل خاتم وتوقيع منصور نفسه، وتجريدها من دستوريتها ربما يطعن فى جدارة الرجل الدستورية وهو موقف شديد التعقيد بالنسبة لجميع الأطراف.

أخيرا، فالمحكمة الدستورية أعز وأبقى من أى شخص وإبعادها عن دوائر الشبهة يجب أن يكون مقدما على أى اعتبار. كما أنه لا يجب التعامل مع منصب رئيس الجمهورية وإن كان مؤقتا باعتباره إعارة أو انتدابا يعوده بعده الرئيس إلى عمله السابق، لأن هذا المنصب الرفيع يعطى صاحبه حقوقا ويفرض عليه التزامات سواء أثناء وجوده فيه أو بعد تركه. لذا لا مفر من أن يقرر المستشار عدلى منصور التنحى عن رئاسة المحكمة والعودة إلى صفوف الجماهير.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved