أفراح القبة

خالد محمود
خالد محمود

آخر تحديث: الإثنين 13 يونيو 2016 - 10:44 ص بتوقيت القاهرة

يغزل المخرج محمد ياسين فى «أفراح القبة» خيوطا درامية لعصر وزمن وبشر أقرب إلى سيمفونية مشاعر وأحاسيس عميقة، يعزفها توهج أبطاله لدرجة جعلتنا نتوحد معهم والشخصيات التى يجسدونها.

فالنص المأخوذ عن رواية أديب نوبل نجيب محفوظ، بنفس الاسم، هو بحق عمل صعب، لأنه يجعل ابطاله يعيدون تجسيد أنفسهم على خشبة المسرح.. مسرح الحياة، يكشفون عن ذواتهم الحقيقية، ما ظهر منها وما بطن، نعم هذه هى الحكاية، مؤلف طموح يكتب نصا مسرحيا لمجموعة ممثلين، وفجأة يدرك أبطال العمل داخل الكواليس، ومنذ البروفات والنص يتحدث عنهم ويرصد وقائع من حياتهم الشخصية، بكل خطاياهم، واحلامهم وهواجسهم، والتى تكشفها الاحداث اليومية شيئا فشيئا، ومن هنا كان تحويل هذه الرواية إلى عمل درامى أمرا صعبا وجرأة كبيرة من صناع المسلسل، لكن مع أولى مشاهده وتتابعها أدركنا اننا أمام عمل فنى قوى، ومختلف، ويتطلب قدرة فائقة من نجومه الذين أبهرونا بالفعل بتقمصهم لشخصيات محفوظ، وبالقطع كان لمفردات واسلوب محمد ياسين الموهوب بصمته الكبيرة فى ان يضعنا امام مشاهد ثرية فى لغة سردها، ذكية فى طرحها، طازجة فى تناولها، فيما مهدت موسيقى هشام نزيه الطريق لمشاعر الدخول لهذا العالم الخاص.

لابد أن نعترف أولا أن الدراما عند نجيب محفوظ ترفع السقف، هذا شىء طبيعى فشخصيات المسلسل لها تركيبتها النفسية من قمة الحب والرومانسية والدفء، إلى كراهية ويأس وعناد وتسامح مع الحياة والموت أيضا، هناك نقمة وحقد ورمزية وحزن وشجن، فأنت تعيش مع كل ما فى الإنسانية من أمراض الروح وتجد نفسك تغوص بعدها فى نشوة فنية تثير شجنك، انها المعانى التى جسدها أبطال الحكاية بنضج، وفى مقدمتهم شخصية تحية عبده التى تنطلق منها الأحداث وجسدتها بنعومة فائقة وبريق خاص منى زكى، لنعيش معها زمنا بكرا حتى فى جرحه، وبالتحديد فى المشاهد التى جمعتها بعباس كرم يونس، المؤلف الذى يخدع ممثلى الفرقة المسرحية التى يعمل بها ويجعلهم يمثلون شخصياتهم الحقيقية، والتى تفضح أسرارهم المشينة. وهى الشخصية التى جسدها بوعى الممثل الواعد محمد الشرنوبى، وقد أعاد العمل اكتشافه، وسوف يكون له مستقبل باهر، وكذلك شخصية طارق رمضان المليئة بالانفعالات النفسية التى لعبها إياد نصار، ثم سرحان الهلالى «جمال سليمان» صاحب فرقة الهلالى المسرحية، وسنية عبده «رانيا يوسف»، ودرية «صبا مبارك» وبدرية «سوسن بدر»، وحليمة الكبش «صابرين»، وكرم يونس «صبرى فواز».. ليستعرض العمل الصراع بين الواقع والحلم، ثم تجعلك الاحداث تثور على نفسك وعلى مجتمعك وعلى أفكارك وعلى عالمك، ثم تهدأ لتتمسك بأطراف أمل.

اهمية النص والسيناريو المتماسك والمتدفق والذى صاغته نشوى زايد أنه يتلاعب بحيوات البشر بطريقة صادقة وصادمة، لا تملك إلا أن تتفاعل معها وتصدقها، بل وستظل تراقب حياتك وتتفرج على الطريقة الشكسبيرية بأن الدنيا ما هى إلا مسرح واقعى كبير وأننا لاعبون على هذا المسرح، نتقابل فيه ونتبادل مشاعر الحب والكره، وإن كنا نعجز عن مواجهة حقيقتنا.

«أفراح القبة» عمل واقعى أكثر مما تتخيل بمشاعر صادقة وتعبيرات وأوصاف أكثر صدقا ولغة رائعة وأحداثا إنسانية بامتياز.. وموسيقى هى كل الشجن.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved