الكورونا وأمل القفز فوق الحياة

إكرام لمعي
إكرام لمعي

آخر تحديث: الجمعة 12 يونيو 2020 - 8:15 م بتوقيت القاهرة

مازالت الكورونا هى الشغل الشاغل فى معظم بلاد العالم إن لم يكن كلها، فالكورونا جائحة قاتلة يصعب مواجهتها وأعداد المصابين والموتى كل يوم على شاشات التلفزيون تصيب الناس بالذعر والخوف الشديد.
والسؤال الأبدى الذى حارت فيه البرية وكان محور الحضارات القديمة والأساطير قبل الأديان، ثم بعد ذلك صار محور الأديان الوضعية والسماوية هو سؤال لماذا الموت بالذات؟ ما الذى يفعله الموت هنا على الأرض، ما الذى يُخفيه ذلك الخوف والهلع منه والانشغال به إلى حد الهوس، خاصة هذه الأيام؟ وهل يحجب الانشغال بالموت الخوف منه. وهنا دعنا ــ عزيزى القارئ ــ نتفلسف ونسأل: هل الموت من حيث المبدأ عكس الحياة؟! ولماذا تردده الشفاه كما تردد الكمال ففى الموت كمال الإنسان (كما يقول رجال الدين). يتساءل محمود درويش لماذا ينتظرنا الموت أصلًا؟ هذا الموت الذى قضى الفيلسوف نيتشه كل عمره وهو يكتب ضده مع أنه كان يعيشه كل لحظة، وفى النهاية انتصر الموت عليه، السؤال: تُرى ما الغريب فى الموت والمثير والمقلق حتى يشغلنا إلى هذا الحد؟ لقد ارتبط الموت فى أذهاننا، بالخوف من المجهول والغامض، وعلى مدى التاريخ الإنسانى كان الموت مدعاة للقلق والتساؤل، وعلى رغم أنه حدث طبيعى وقدر لا مفر منه، لكل الكائنات الحية مثله مثل الولادة، لكن السؤال هنا هل عرفنا ما الذى كان قبل الولادة حتى نعرف ما الذى سيكون بعد الموت؟!
ربما كان ما قبل الولادة هو نفسه ما بعد الموت، وعندها ماذا تكون «الحياة»؟ وما هو تعريفنا لها؟ أليس من الأجدى البحث فى «الحياة» فلعلها مجرد انقطاع فى الصيرورة الأبدية للوجود، ونتوء بارز كموجة فى محيط أزرق واسع، وهل بالإمكان تصور موجة منفصلة عن محيطها؟
***
فى الطفولة كان سؤالنا من أين أتينا؟ وفى مراحل العمر اللاحقة يستولى علينا سؤال: ما هو الموت؟ ماذا بعده؟ لكن أليس من الحماقة أن نقضى حياتنا ونحن نهلوس بتلك الأسئلة بدلا من أن نعيشها لحظة بلحظة، فنهدر الوقت والجهد فى مساءلتها، وطرح أسئلة كهذه على وجود هو بحد ذاته ليس مشكلة حتى نبحث عن حل له، ولماذا لا نهتم بمعرفة ما هو موجود بين أيدينا الآن فى هذه اللحظة، بدلا من الهروب إلى ما قبل الولادة أو ما بعد الموت؟ فهل ملاقاة الموت هو المخيف حقًا؟ أم مواجهة الوجود الآنى (هنا والآن) هى التى تدفعنا إلى الهروب بانشغالات عما قبل الولادة وما بعد الموت؟ هل يمكننا مواجهة الكورونا والموت؟ هنا نحتاج إلى الأمل وإذا كان الأمل قوة إيجابية ألا يشكل اليأس، وهو نقيض الأمل، قوة إيجابية مغايرة؟ وإذا كان الأمل يوحى ببعض الخلاص ألا يشكل اليأس المتكامل خلاصًا متسقًا قوامه إنسان يعتصم بذاته ولا يتكئ على أحد؟ إن الأمل الحقيقى يدعونا أن نبتعد عن «التفاؤل الساذج» الذى يستولد «الحل» أو «الفرج» من لا مكان، إن الأمل المنشود هو مرجع أبدى الحضور (الحياة الأبدية) يعرفه وينادى به المؤمنون قبل غيرهم، وقد تحدث عنه جميع الأنبياء ففى الحياة الأبدية يصبح الإنسان المؤقت هنا على الأرض أبديًا هناك، لذلك زود الله الإنسان فى حياته على الأرض بفضيلة الصبر على الشدائد، لكن هناك مرجعية أخرى جاءت بها الأزمنة الحديثة، هذه المرجعية توحد بين قدرات الإنسان والزمن السائر إلى الأمام أى الذى يحقق على الأرض كل أحلام الإنسان من صحة أفضل وعمر أطول وتكنولوجيا أحدث والتى تضع بين يدى الإنسان كل ما يريد ويحلم به، مما أدى إلى قفزة هائلة فى رفاهية الإنسانية، هنا علينا أن نقوم بعملية تصالح بين الجوهر الإنسانى القديم «الإيمان» الذى لا يقنط من رحمة الله، وعقل حديث يرى الظواهر ويحلل أسبابها حيث يُرجع الظواهر إلى أسبابها الحقيقية وليست الوهمية أو الخرافية من وجهة نظره، فى هذا الإطار لابد أن نجد علاقة بين الإحساس بالتفاؤل من ناحية وبين الثقة فى العقل والمنطق من الناحية الأخرى، لأنه لا تفاؤل إلا بالممكن، حتى لو كان المتفائل واسع الإيمان أو الخيال، ولعل العلاقة بين التفاؤل المعقول والإيمان يكمن فى أسبابه المادية، والمعنى هنا أن علينا أن نجمع بين الاحتفاء المبالغ فيه بإنجازات الأزمنة الحديثة، وبين الإيمان المفرط بقدرة العقل على توليد التفاؤل، والجمع بين الاثنين يبدو وكأنه صناعة يجب رعايتها وتطويرها. من هنا جاء مصطلح «التفاؤل التنويرى» وهذا التفاؤل التنويرى يرفض التفاؤل العاجز، وأيضًا يرفض استسلام الإنسان المضطهد الذى يوكل تحقيق ما يريد إلى إرادة التاريخ الغامضة، التى تنتقل من خير إلى خير من دون تدخل إنسانى، من هنا نادى البعض أنه على الإنسان المُضطهد الثائر ألا ينتظر ويصبر مؤمنًا صابرًا معتمدًا على رتابة التاريخ الأقرب إلى القدرية فى أنه سيحقق له ما يرجوه، لكن عليه أن يأتى بزمنٍ جديد من خلال فكر جديد، ينصر الأحياء والأموات معًا، إن الأمل ضرورة شريطة ألا تعبث به الحماقة.
***
لكن هل هنالك فارق بين الرغبة والأمل؟ بالطبع توجد رغبة يضعفها الإحساس باليأس، ولذلك لابد أن تقترن الرغبة بالأمل، إذن ما العلاقة بين الأمل والثقة؟ هل الأمل يمكن تربيته بالممارسة والانضباط وهل الأمل قابل للتعلم، نقول نعم يمكن تعلمه. والسؤال كيف؟ والإجابة أنه على الإنسان أن يثق ويؤمن بما يأمل بتحقيقه أو بمجيئه، فلا معنى للأمل إلا إذا أخلص الإنسان لمعناه، فعاش الحاضر واطمأن إلى مستقبل أفضل منه، وعلينا أن ندرك أنه ليس من العقل فى شيء أن يكون الأمل فى شيء مستحيلا، لكنه من العقل أن تأمل فى شيء مرجح، والسؤال المهم هو هل العقل عاطفة أم أنه حقل تجارب محايد؟ وهنا علينا أن ندرك أن الإنسان فى حاجة ماسة إلى أن يجتاز تجارب إنسانية متنوعة، تربط الأمل بالعقل، أو تشده إلى الإرادة، أو تربك العلاقتين معًا حين تقرأ عن: «تشاؤم العقل وتفاؤل الإرادة». وأن يزرع الإنسان فى ذاته ثقة خالصة تؤمن بأن المدينة الفاضلة قائمة فينا، ونحن لا نذهب إليها، إنها هنا داخلنا، إن الأمل له علاقة بالتاريخ الإنسانى من ناحية وبالكون كله من الناحية الأخرى، ولقد دعاها أحدهم «إيمانية متفائلة»، وهنا يكون الأمل قوة إيجابية ضد كل يأس، ولنا فى الأنبياء والرسل قدوة فرغم كل العقبات والصعاب التى واجهتهم استكملوا مسيرتهم حتى النهاية، وحيث إننا لسنا أنبياء، علينا أن نجيب عن سؤال لابد منه: ماذا إذا كان الإنسان يأمل بوصول ما يسعده وإذ به يصله ما يدمر حياته؟ هنا على الإنسان أن يبدأ من جديد ليس مرة واحدة فقط بل مرات، ولنا هنا عدة نماذج إنسانية لأن الأمل وُجد أصلًا للذين لا أمل لهم.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved