الدولة القوية لا تخشى حركات الصغار

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: السبت 12 يونيو 2021 - 7:55 م بتوقيت القاهرة

الدولة فى مصر عادت قوية ومستقرة إلى حد كبير، ولذلك ينبغى أن تتصرف حكومتها وأجهزتها على هذا الأساس، ولا تلتفت إلى الدعوات والحركات الصغيرة التى تنتشر بين الحين والآخر على وسائل التواصل الاجتماعى.
حال الدولة وأجهزتها فى مصر الآن لا يمكن مقارنته بما كانت عليه الأحوال فى الفترة من ٢٥ يناير ٢٠١١ وحتى ٢٠١٦ تقريبا.
فى هذه الأوقات السابقة كانت السلطة ضعيفة، بل وضعيفة جدا، وفى المقابل كانت التنظيمات المتطرفة على أشدها، والتدخل الأجنبى بلغ ذروته، خصوصا فى الفترة من ٢٠١١ إلى ٣٠ يونيو ٢٠١٣.
الاقتصاد كان فى أسوأ حالاته، والمظاهرات الفئوية بلغت أوجّها، والسياحة تراجعت إلى مستويات غير مسبوقة، والاحتياطى النقدى انخفض إلى رقم غير مسبوق عند حوالى ١٥ مليار دولار بدلا من ٣٦ مليار دولار، وطبع البنكنوت كان أمرا لا مفر منه؛ لتدبير المرتبات والأجور والاحتياجات الأساسية من غذاء ودواء.
الإرهابيون صالوا وجالوا وفجروا وقتلوا الأبرياء. صورتنا الخارجية تأثرت، وتعرضنا لعقوبات ومقاطعات وعقوبات من هنا وهناك.
الحمد لله مرت هذه الفترة بأقل قدر من الأضرار مقارنة بما حدث فى بلدان أخرى كثيرة فى المنطقة. الإرهاب تراجع والتطرف بدأ ينحسر، وإن كان لم ينته تماما.
الاقتصاد بدأ يتعافى بعد بدء عملية الإصلاح الاقتصادى، رغم كل الأثمان الصعبة التى دفعها غالبية المصريين. عملية التنمية انطلقت بقوة خصوصا فى البنية التحتية من كهرباء وطرق وكبارى وجسور ومدن جديدة، ثم بدأت تركز على الصحة والتعليم وبناء الوعى.
علاقتنا الدولية عادت لسابق عهدها، وربما أفضل، وبدأت مصر تستعيد دورها الرائد نسبيا فى المنطقة العربية، خصوصا القضية الفلسطينية ومنطقة شرق المتوسط وليبيا والسودان.
القوى التى كانت تعادى وتناوئ مصر وتزعجها عادت جميعها لتخطب ودَّ مصر وتطلب المصالحة، خصوصا تركيا وعاد الدفء إلى العلاقات مع الإدارة الديمقراطية الجديدة فى البيت الأبيض، بعد ستة أشهر من الممانعة والجفاء والتربص.
الدولة المصرية حققت إيجابيات كثيرة، لكن لا تزال هناك تحديات أساسية مثل حقوقنا المائية فى نهر النيل، وفتح المجال السياسى، وتركيز التنمية على الزراعة والصناعة أكثر من الخدمات والعقارات والإصلاح الادارى ومكافحة الفساد والمفسدين.
الجميع تقريبا يشهد بأن الدولة المصرية عادت قوية ومستقرة بل و«باطشة» أحيانا، ولذلك فالسؤال الطبيعى هو: إذا كان الأمر كذلك، فلماذا تتصرف فى بعض الأحوال وكأنها لا تزال ضعيفة وهشة؟!
من حق الحكومة عموما والأجهزة الأمنية خصوصا أن تكون جاهزة ويقظة لكل التحركات المناوئة، سواء صدرت من شخص أو تنظيم أو جهاز خارجى أو دولة أجنبية.
لكن هناك فرق كبير بين اليقظة والتحسب المنطقى، وبين الذعر والخشية من دعوات صغيرة جدا، بل وتافهة فى بعض الأحيان.
صحيح أن بعض هذه الدعوات والحركات كان مؤثرة جدا فى سبتمبر ٢٠١٩، لكن التجربة العملية جعلت غالبية المصريين تضع هذه الدعوات والحركات فى حجمها الطبيعى، بل وتسخر منها، خصوصا بعد حالة الاستقرار التى تشهدها الدولة بعد أن نجحت الأجهزة الأمنية فى توجيه ضربات قوية لجماعات وتنظيمات العنف والإرهاب.
بعد كل هذا الاستقرار لا يصح أن تخشى الدولة من مثل هذه الدعوات للتظاهر أو الفوضى بناء على هذه الدعوات التى نبذها غالبية المصريين، ولا يصح أن يتم إغلاق كبارى مثل الجلاء وقصر النيل وأحيانا ميدان التحرير فجأة، الأمر الذى يجعل المواطنين العاديين يتساءلون عن السبب فى هذا الإجراء المفاجئ، والأخطر أنه يرسل برسالة خاطئة جدا إلى هؤلاء الأشخاص الصغار بأنهم مؤثرون وأقوياء.
هذه الحركات والدعوات الصغيرة هدفها إرباك واستنزاف الدولة، وإظهارها أنها خائفة ومرتعشة. وحينما تتعامل معها الدولة وأجهزتها بأكثر من قيمتها، فهى تحقق هدفهم وتعطى لهم قيمة لا يستحقونها، كما أنها تشعر من يشغلهم ويمولهم بأن لهم وجودا على الأرض.
مرة أخرى، ليس عيبا أن تكون الدولة فى أعلى درجات اليقظة والانتباه والاستعداد، لكل من يحاول خرق القانون أو إحداث الفوضى والعنف والإرهاب، لكن بشرط أن تكون الأمور متناسبة.
خلافا لرأى كثيرين، أرى أنه حان الوقت لإرسال رسالة أخرى مختلفة تماما، وهى مزيد من الانفتاح السياسى على القوى والأفكار السياسية المشروعة. حدوث ذلك سيكون أفضل رد لمواجهة أى أفكار متطرفة وإرهابية وتكفيرية، ورسالة حاسمة للجميع فى الداخل والخارج بأن هناك دولة قوية فى مصر لا تخشى من هذه الدعوات الصبيانية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved