استفزاز المواطن

سامح فوزي
سامح فوزي

آخر تحديث: الثلاثاء 12 يوليه 2016 - 9:20 م بتوقيت القاهرة

ليست حالة جديدة، ولكن فى استمرارها استفزازا للمواطن. خبر صغير منشور أن مسئولا سافر للعلاج أو حتى إجراء فحوصات طبية بالخارج يكفى لإثارة تساؤلات كثيرة. هل المسئولون يشككون فى النظام الصحى فى مصر؟ هل هى شهادة اعتراف بأن الخدمات الصحية فى المستشفيات العامة،
ناهيك عن المستشفيات الخاصة التى يستطيع أصحاب السلطة والمال استخدامها، ليست على مستوى الكفاءة، مما يستدعى السفر للعلاج فى الخارج؟ وبالطبع فإن المسئولين الذين قرروا السفر للعلاج فى الخارج، من حق المواطن أن يسأل «من يدفع الفاتورة؟».

واللافت أن الحكومة تتحدث ليل نهار عن محدودى الدخل، والفقراء، ولا يجد أرفع المسئولين بها غضاضة فى الإعلان عن السفر للخارج للعلاج أو إجراء فحوصات أو ما شابه... رأفة بالناس، فهم يعانون بحثا عن الخدمة الصحية، أسعارها فى ازدياد، فما الداعى للإعلان عن ذلك؟

المسألة برمتها لا تحتمل سوى أمرين. أولها أن يكون سفر المسئول للخارج على نفقة الدولة، وهنا يكون السؤال والبحث والاستقصاء عما إذا كانت حالته تنطبق عليها القواعد المعمول بها فى الدولة لتنظيم العلاج بالخارج، أو أن يكون المسئول سافر إلى الخارج على نفقته الخاصة، وهنا يكون السؤال لا يتعلق بالمال ولكن بالنظر فى المنظومة الطبية برمتها، والتى لا يثق فيها المسئولون فى الدولة، فما بالك بالمواطن العادى البسيط الذى لا يجد خيارا آخر أمامه؟!

فى كل الأحوال يصح أن يسافر أى مواطن، وليس فقط المسئول فى مؤسسات الدولة، للعلاج إذا كان الخارج يقدم له ما لا يجده فى بلده أو أن فرص تقدمه صحيا أفضل هناك، وينظم ذلك قواعد وضعتها الدولة ذاتها. ولكن طالما ارتضيت أن تكون مسئولا تتقاضى مالا عاما، ينبغى أن تحتمل الظروف التى يواجهها غالبية أبناء الشعب الذين تقوم على خدمتهم، فالمسئول مهما علا قدره ليس إلا موظفا لدى الشعب، هكذا استقرت النظم السياسية والدستورية الحديثة. وإذا تولى المسئول موقعا فى السلطة ينبغى أن يعرف أنه لا يتفضل على المجتمع، وهو فى موقع المحاسبة والمساءلة، من جانب المواطن، قبل مؤسسات السلطة الأخرى. والمواطن النابه، أو الواعى كما يُطلق عليه فى الأدبيات الحديثة، هو الذى يتابع، وينتقد، ويبحث عن المعلومات، والمسئول الواعى أيضا هو الذى يقدم نفسه على أنه أحد أبناء الشعب، وكم رأينا فى مناسبات عديدة مسئولين فى دول غربية كبرى يستخدمون المواصلات العامة، أو يذهبون إلى مكاتبهم مستخدمين دراجات، أو يتناولون مع أسرهم الطعام فى مطاعم عامة، أو يمارسون الرياضة فى أندية عامة، الرسالة الضمنية من وراء ذلك أن المسئول لا يحتجب فى علياء، بل يستخدم إمكانات المجتمع المتاحة، طالما أنه يدافع عنها أو يعمل على تنميتها، ويرفع ثقة الناس بها.
المجتمعات المتقدمة ليست بالكلام والأمانى، ولكن بطريقة الحياة، وأتذكر دائما مقولة فرنسيس فوكوياما، المفكر الأمريكى الشهير، بأن اليابان لم تبن بعد الحرب العالمية الثانية بالمال فقط، ولكن بنوعية القيادات التى تولت المؤسسات العامة، قدموا القدوة والحافز والرغبة فى العمل. مرة أخرى القيادات.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved