اليونسكو ليست معادية للسامية

من الصحافة الإسرائيلية
من الصحافة الإسرائيلية

آخر تحديث: الأربعاء 12 يوليه 2017 - 8:40 م بتوقيت القاهرة

مباشرة بعد إعلان اليونسكو إدراج مدينة الخليل والحرم الإبراهيمى على لائحة التراث العالمى، سارع رئيس الحكومة الإسرائيلية وسياسيون من اليمين إلى القول للجمهور إن القرار معادٍ للسامية، وينكر العلاقة التاريخية لشعب إسرائيل بأرضه. وكان هناك من ربط القرار بالمحرقة النازية. ومن دون الدخول فى مسألة ما إذا كان العالم يقوده معادون للسامية ينكرون حق إسرائيل فى أرض إسرائيل، يجب أن نوضح أن اليونسكو ليست منظمة معادية للسامية، وإن قرارها بشأن مدينة الخليل كموقع تراثى عالمى معرض للخطر، ليس قرارا معاديا للسامية ولا يتجاهل العلاقة اليهودية بالحرم الإبراهيمى، ويشير الفلسطينيون أنفسهم فى اقتراح القرار إلى أن الحرم الإبراهيمى مقدس بالنسبة للدين اليهودى والمسيحى والإسلامى.
اليونسكو هيئة سياسية، لذا فإن قراراتها سياسية. ومثل كل منظمات الأمم المتحدة، فهى مؤلفة من دول أعضاء هى المسئولة عن السياسة وتنفيذها. بالإضافة إلى ذلك، يوجد فى اليونسكو هيئات مختصة تعمل فى التربية والعلوم والثقافة والإعلام. ويتركز اهتمام الإسرائيليين والفلسطينيين بصورة خاصة فى لجنة التراث العالمى المسئولة عن الإعلان عن مواقع تراثية عالمية. وتتخذ قرارات اللجنة بالاستناد إلى معايير مثل فرادة معمارية، وفرادة تاريخية، والأهمية التراثية أو الدينية للموقع، ومشاهد طبيعية فريدة. وهناك 10 معايير يجرى بالاستناد إليها فحص أهمية الموقع. وكى يدرج كموقع تراثى عالمى، يجب أن يتوافر فيه معيار واحد على الأقل. ويستند الاعتراف بمواقع إلى اتفاقية الدفاع عن المواقع التراثية والثقافية والطبيعية العالمية (الصادرة سنة 1972) التى وقعتها إسرائيل أيضا.
فى اليونسكو، يدمج جميع اللاعبين الحجج المهنية بالعمل الدبلوماسى الذى يهدف إلى الدفع قدما بمصالح دولهم. وتتحمل المسئولية عن مواقع تراثية عالمية الدول التى توجد فيها هذه المواقع، وليس القبائل أو الشعوب أو الديانات أو المجموعات الأثنية. وعلى سبيل المثال، اعترفت اليونسكو بالحدائق البهائية فى إسرائيل كموقع تراثى، على الرغم من أن البهائيين يشكلون واحدا بالألف من سكان إسرائيل. ولا يعنى اعتراف اليونسكو بأن الحدائق تعود إلى الشعب اليهودى، بل إنها موجودة فى أرض إسرائيل، وفرادتها تجعلها تستحق إدراجها ضمن قائمة المواقع التراثية العالمية. كذلك، فإن اعتراف اليونسكو بـ«طريق البخور» فى النقب لا يعنى أن الثقافة النبطية تمثل الأجداد الإسرائيليين، بل إن هذا الموقع له من الأهمية ما يجعله يستحق الاعتراف به. وقد استندت المطالبة بالاعتراف بمدينة عكا كموقع تراثى عالمى إلى كونها مدينة صليبية، تربط بين الشرق والغرب، وإلى أنها كانت مدينة عثمانية مركزية خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر. لقد جرى الاعتراف بالحرم الإبراهيمى الشريف كموقع مقدس بالنسبة إلى اليهود والمسيحيين والمسلمين (واللافت أن اليهود جاء ذكرهم فى بداية الاقتراح الفلسطينى)، واعتُرف بالمدينة القديمة فى الخليل كموقع تراثى عالمى لأنها تمتاز بنسيج معمارى خاص من الفترة المملوكية. ولا يعنى القرار عدم وجود علاقة بين شعب إسرائيل والخليل، بل بالنسبة إلى اليونسكو تشكل الخليل جزءا من الضفة الغربية وتنتمى إلى فلسطين. ومنذ 2011 أصبحت فلسطين عضوا كاملا فى اليونسكو ومن حقها أن تقترح مواقع تراثية كمواقع عالمية، ولا يلغى هذا العلاقة اليهودية بالمدينة. 
إسرائيل غاضبة على اليونسكو لأنها موجودة فى مصيدة دبلوماسية. فمنذ اللحظة التى اعترفت فيها منظمات الأمم المتحدة بفلسطين كدولة، فإنها تعمل وفقا لقاعدة أن جميع الدول متساوية ومطلوب منها احترام القانون والمواثيق الدولية. يتعامل الفلسطينيون مع اليونسكو كما هو مطلوب ومتوقع. ويحاولون بواسطتها الحصول على اعتراف دولى بحقوقهم الوطنية. وبالنسبة إليهم، فإن مواقع التراث العالمى هى أدوات لمحاربة الاحتلال الإسرائيلى. وتسير آلية اتخاذ القرارات وفقا للإجراء المتبع منذ عشرات السنوات: تقدم الدول ملف موقع، وتشرح لماذا يجب إدراج الموقع كموقع للتراث العالمى. تراجع لجنة من خبراء مختصين ملف الموقع، وبعد ذلك يجرى التصويت فى لجنة التراث العالمى. ولا علاقة للعملية بالعداء للسامية، أو بتجاهل تراث هذا الشعب أو ذاك. على العكس من ذلك، تتباهى اليونسكو بالدفاع عن ثروات الثقافة العالمية ضد المصالح الخاصة. وتحاول إعلاء مكانة هذه المواقع بوصفها تنتمى إلى البشرية بأسرها وإبعادها عن الحروب والدمار. والطرف المسئول الذى اختارت اليونسكو تعيينه كمدافع عن هذه الثروات الثقافية هو «الدولة» التى يوجد الموقع داخل تخومها.
عندما نفهم كيف تعمل اليونسكو نفهم أيضا أن التخوف الإسرائيلى ليس من اندلاع متجدد للعداء للسامية فى العالم. ومن المؤكد أنه ليس كل قرار سياسى معارض لإسرائيل ينبع من العداء للسامية. إن التخوف الإسرائيلى هو من تزايد الاعتراف الدولى بفلسطين كدولة. ومن المهم التذكير بأن الاعتراف بفلسطين كعضو فى اليونسكو لا يلغى حدود إسرائيل وفقا لخطوط 1967، بل يتطرق إلى الضفة الغربية فقط. وبناء على ذلك، فإن قرار اليونسكو إدراج الحرم الإبراهيمى ضمن قائمة مواقع التراث العالمى ليس معاديا للسامية. فالقرار يعترف بعلاقة الدين اليهودى بالخليل، كما يتضمن أيضا اعترافا بعلاقة الإسلام والمسيحية بالمكان. وهذا الاعتراف تحده حدود هى الحدود السياسية لفلسطين.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved