لماذا يكرهون النحو العربى؟!

إيهاب الملاح
إيهاب الملاح

آخر تحديث: الجمعة 12 يوليه 2019 - 9:45 م بتوقيت القاهرة

قد يبدو عنوان المقال، على عكس ما يشير إليه من دلالات، مثيرًا لدهشة قطاع واسع من طلاب التعليم قبل الجامعى، ودارسى اللغة العربية بصفة خاصة؛ ذلك أنه للأسف ومنذ تدهور التعليم هذا التدهور المفزع، صارت العلاقة بين اللغة العربية عموما والنحو بخاصة، وبين قطاعات واسعة من الذين يستهلون حياتهم بتعلم لغتهم الأم، صارت علاقة نفور وتوجس بل رفض وكراهية جارفة!

وأنا هنا لا أدافع عن النحو العربى أو أبدد عنه تهمًا لم يكن أبدًا مسئولًا عنها، ولا علاقة للنحو العربى بتدهور منظومة التعليم وانهيار المؤسسات وغياب المدرس المؤهل الكفء الذى أُعد إعدادا جيدا ووافيا للقيام بأعباء هذه المهمة المقدسة. إنما أنا هنا فقط أشير مجرد إشارات إلى ما اكتشفته عبر سنوات طويلة من مدارسة هذا الفن، ومعايشته، وإدراك سر عبقريته كنظام محدد لتركيب الجملة العربية.

المدقق والمتابع جيدا للمشهد العام فى السنوات الأخيرة سيلحظ تناميا لرغبة جادة وحقيقية فى مواجهة العجز عن تعلم النحو واستيعابه، ولاحظت أيضا إقبالا غير عادى على الطبعات الجديدة من كتب النحو التعليمية أو ذات النظرات التجديدية فى مناهجه وعرض موضوعاته؛ وكان لافتا بالنسبة لى أن يحقق كتابا مثل «تجديد النحو» للمرحوم إبراهيم مصطفى، هذا النجاح، وهو من الكتب السابقة فى طرح نظرات تجديدية رائدة فى النحو العربى وتيسيره. كان المرحوم شكرى عياد يقول عن مؤلف هذا الكتاب «لم أكن أعلم أن من بين هؤلاء الأساتذة الذين لم أسمع بهم من قبل رجلين سينفعنى علمهما أكثر من كل ما تعلمت من غيرهما. سآكل عيشى فى الدنيا، وأتقرب إلى الله به فى الآخرة: أولهما إبراهيم مصطفى أستاذ النحو الذى غرس فى قلبى عشق هذا العلم حتى أصبحت أراه (ولا تعجب لما أقول) قمة الفلسفة العربية، وقمة الفن العربى».

ومن بعده، جاء كتاب المرحوم شوقى ضيف «تجديد النحو» الذى سعدنا وشرفنا بإصدار طبعة منه فى مكتبة الأسرة (2017)، وتبويب هذا الكتاب وترتيب مسائل النحو فيه، هو تقريبا التبويب المتبع فى كتب النحو المدرسية كلها، وإن كان تم التعامل معها بمنطق الاجتزاء والانتقاء العشوائى فانتفى تماما القصد والفائدة منه!
وفى هذا الدائرة من الكتب التى حاولت كسر جفاف الطرق والأساليب العقيمة فى تدريس النحو العربى كان كتاب «النحو الواضح» (3 أجزاء فى مجلد واحد)، لمؤلفيه على الجارم ومصطفى أمين، الذى صدرت منه عشرات الطبعات منذ منتصف القرن الماضى وحتى قبل عام أو أقل!

وهذا الكتاب بالذات يثير ذكريات وشجونا عن دراسة وتدريس النحو فى مدارسنا وتعليمنا البائس؛ وكتبت حينها أنه للأسف الشديد يغيب عن أذهان المعنيين والقائمين على وضع الخطط والمناهج الدراسية، تدريسُ النحو فى إطار متكامل ومتناغم مع بقية فروع دراسة اللغة العربية، للأسف يتم فصل دراسة القواعد عن النصوص (التحقق العينى المباشر والواضح لتطبيق هذه القواعد) والتعامل معها بمعزل عن بقية الفروع.. وإذا وضعنا فى الاعتبار نتائج تدهور التعليم وتدهور مستوى القائمين على تدريسها للدرجة التى تُلْجِئُهم لتحويل النحو إلى مجموعة من المعادلات الرياضية، دون فهم أو تذوق أو استشعار لحس النظام الكلى الذى يربط القواعد بعضها بعضًا، وصلنا إلى ما هو حاصل الآن من كراهية التلاميذ للنحو وكراهية المدرسين للنحو والتلاميذ معا!

من مزايا هذا الكتاب ــ الذى صحبنى لسنواتٍ طويلة ــ أنه كان يشرح القاعدة ويطبقها ويقدم تدريباتٍ وتمرينات عليها من خلال انتقاء مجموعة ممتازة من النصوص الأدبية القديمة (كلاسيكية نعم، لكنها جميلة وتناسب تلك المرحلة من العمر التى تتفتح فيها الحواس وتتشكل الذائقة).. ثم، وهذا هو الأهم من وجهى نظرى، أنه كان يتدرج فى مستوى التمرينات المقدمة، بدءًا من المستوى المباشر للقاعدة مرورا بالتنويعات المختلفة لأسئلة وتدريبات لترسيخها؛ وصولا إلى المستوى الذى يدمجها مع ما سبقها من قواعد، بحيث يرسخ فى الذهن أن هذه القاعدة أو هذا الدرس هو حلقة متصلة بما قبلها ومربوطة بما بعدها وصولا لفكرة «النظام» أو «النسق» ما إن تكتشف روحه أو تدرك قانونه حتى تتمكن من الإلمام الكامل بتفاصيله وتفريعاته بمنتهى اليسر والسلاسة. (وللحديث بقية)

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved