تصحيح الخطأ أفضل من الإصرار عليه

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: الجمعة 12 يوليه 2024 - 8:21 م بتوقيت القاهرة

ليس عيبًا أن يقع أى شخص صغيرًا كان أو كبيرًا فى أى خطأ. لكن الخطأ الأكبر الذى يقترب من الخطيئة هو الإصرار على الاستمرار فى هذا الخطأ، وهو ما يمكن أن يؤدى إلى دفع أثمان غالية، كان من الممكن تفاديها بسهولة بالغة.

لا أتحدث عن واقعة بعينها أو مسئول بذاته، بل عن أمر يحدث كثيرًا فى الحياة السياسية والعامة وفى الحياة الخاصة أيضًا، فى العديد من البلدان الصغيرة والكبيرة.

لنفترض أننى كشخص أو كمسئول اتخذت قرارًا خاطئًا، وأجمع كل من حولى على أن هذا القرار خاطئ، وأنا الوحيد الذى اعتقد أنه صحيح، فما هو الحل الصحيح فى هذه الحالة؟ قد يقول البعض إنه ما دام أن الشخص المختص يرى القرار صحيحًا فإنه هو من يتحمل المسئولية. هذه الإجابة قد تبدو مقنعة، لكن فى العمل السياسى فإن ذلك لا يبدو صحيحًا وسليمًا على طول الخط.

من أسوأ ما يمكن حدوثه فى العمل السياسى أن يفقد من حولك الثقة فيك، خصوصًا إذا كان القرار متعلقًا بمجال أو نشاط أو قطاع يمس غالبية المواطنين فى دولة ما.

النقطة الثانية، حتى لو كنت مقتنعًا بأن هذا القرار صحيح، لكن غالبية من حولك يرون أنه غير ملائم، فالأفضل هو عدم الإصرار على الخطأ، فالعمل السياسى لا يقوم على فكرة القرار الصحيح والقرار الخطأ، بقدر ما يقوم على ما يراه غالبية الناس، وهنا يُقال دائمًا إن الانطباع فى العمل السياسى والعام مثل الحقيقة، وفى مرات كثيرة يصبح أهم من الحقيقة.

وبالتالى فإن المبادرة إلى تصحيح أى قرار خاطئ، أو تعديل قرار يراه الناس خاطئا هو أمر شديد الأهمية فى العمل السياسى.

قد يرى البعض أن التراجع عن اتخاذ قرار ثم إصداره حديثًا، أمر مسىء ومضر بصورة صاحب القرار، لكن وعبر تجارب دولية كثيرة، فإن الأضرار والخسائر الناتجة عن التراجع فى اتخاذ قرار معين أقل بكثير من الاستمرار فى الإصرار على القرار الخاطئ، لأنها ببساطة تقود إلى فقدان الثقة فى هذا المجال أو القطاع، وفقدان الثقة فى أى قرار يصدره الشخص محل الجدل أو الخلاف.

وبالتالى فإن التصرف الأصح الذى يفترض أن يتم اتخاذه هو أن يبادر الشخص محل الجدل إلى الاعتذار والانسحاب بهدوء وعدم إحراج من اتخذوا القرار وهكذا ينتهى الأمر بسهولة.

أعرف أن الأمور ليست مثالية فى مثل هذا النوع من القضايا، لكن المؤكد أن أخطاء بسيطة مثل ما أتحدث عنه قد تتحول إلى خطايا كبرى، وتجعل قطاعات واسعة من الناس تصدق أشياء غير صحيحة بالمرة.

لا يكفى فى مثل هذا النوع من الجدل السياسى القول أن كل الأمور تمام، وأننا متأكدون أن ما تم اتخاذه من قرارات كان صحيحًا، لأن من المهم أيضًا مراعاة ما يصل من انطباعات إلى الرأى العام.

قد يكون هناك ثمن يدفعه المجتمع بسبب التراجع عن تنفيذ قرار معين، لكن مرة أخرى فإن الإصرار على الاستمرار فى هذا القرار قد تكون له تكلفة سياسية هائلة على المدى البعيد.

أما الحل الأمثل على المدى البعيد فى مثل هذا النوع من القضايا، فهو أن يخضع صدور أى قرار إلى أكبر قدر من الدراسة والمناقشة والبحث والتنقيب حتى لا يتحول إلى مادة للجدل لا تفيد أحدًا إلا المتربصين والمتشككين.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved