ما تفعله السياسة بالعلم والعلماء

علي محمد فخرو
علي محمد فخرو

آخر تحديث: الجمعة 12 أغسطس 2016 - 9:20 م بتوقيت القاهرة

بعد وفاته منذ أيام قليلة كتب الكثيرون عن العالم العربى المصرى أحمد زويل، حامل جائزة نوبل الشهيرة. جميع تلك الكتابات أبرزت تميزاته العلمية والأخلاقية وأحلامه الوطنية لخدمة مصر ووطنه العربى كله فى مجالات التعليم العالى والبحوث، وذلك من خلال مشروعه المبهر الشهير لإنشاء جامعة ومراكز بحوث تابعة لها تهدف، فيما تهدف، لإحداث نقلة نوعية فى حقلى العلوم والبحث العلمى من جهة وفى حقل التكنولوجيا المتقدمة من جهة أخرى.

ما يهمنا ليس الحديث عن الجوانب الشخصية الكثيرة التى ميزت الرجل وعطاءاته العلمية، فهذا كتب وسيكتب عنه الكثير. ما يهمنا هو أخذ التعامل الظالم لأحمد زويل ومشروعه التعليمى والعلمى كمثال على ما تفعله السياسة فى أرض العرب بالنهوض العلمى وبالعلماء. لقد وئد المشروع ووئدت أحلام صاحبه، وبالتالى وئد مشروع نهضوى علمى لخدمة مصر وكل الوطن العربى، بسبب ظنون أمنية سخيفة قائمة على هلوسات أجهزة الأمن. الهلوسة عبرت عن سخفها بإثارة خوف النظام السياسى آنذاك، فى عهد الرئيس مبارك السابق، وذلك بالتأكيد للنظام من أن نجاح مشروع أحمد زويل سيزيد فى مكانته وشعبيته وخصوصا بين الشباب، الأمر الذى سيجعله منافسا قويا فى اية انتخابات رئاسية ستجرى فى مصر.

هذا مثال مأساوى فى تفاصيله وفى النهاية المحزنة التى وصل إليها، طال فردا عالما واحدا، فى قطر عربى واحد، وذلك بسبب الوضع السياسى المتأزم دوما، المتخلف فكريا وممارسة، الموغل عبر القرون فى تاريخ أمة العرب.

***

لعل ذلك المثال اقل فداحة ومحدوبة أذا قورن بالذى حدث، ولايزال يحدث، فى أقطار عربية من مثل العراق وسوريا والسودان واليمن وليبيا. فلقد قادت الخلافات الإيديولوجية العبثية المشخصنة وممارسات السياسة المغموسة فى صراعات القبائل والمذاهب والعساكر، بعيدا عن حتى أبسط قواعد المتطلبات الديموقراطية العادلة، قادت إلى مجتمعات خالية من أجواء الحرية والإبداع والاستقلالية التى يتطلبها نمو وانتعاش العلم من جهة وقدرة العلماء على الإنجاز من جهة أخرى.

فكانت النتيجة أن غادر مئات الألوف من علماء ومفكرى ومهنيى وبحاثة العرب، غادروا إلى أوطان أخرى. فى البداية كانت الظن والأمل بأنها ستكون مغادرة مؤقتة. لكن اذهب الآن فى زيارات لجامعات ومراكز بحوث ومستشفيات ومؤسسات صناعات الغرب فستجد أفضل عقول العرب تعمل وتبدع وتخدم وتساهم فى تنمية بلدان الغرب. ومن المؤكد أن أكثرها لن يعود إلى الجحيم الذى اشعله الجهاد التكفيرى الإرهابى المجنون القامع لكل أنواع الحرية ولكل محاولات الإبداع، وبالتالى المتصادم كل مصادر التقدم فى حضارة العصر.

إن ممارسة العلم من قبل العلماء، والفكر من قبل المفكرين، والإبداع والتجديد من قبل المهنيين، يحتاج إلى علاقات مجتمعية تقوم على أسس الكفاءة وتساوى الفرص وقيم المواطنة وعدالة نظم الترقى فى سلم الوظائف وعدم إقحام السلطات الأمنية أنفها فى المعايير التى تحكم تلك العلاقات. لكن فكر وممارسة السياسة فى أغلب بلاد العرب جعل من المستحيل بناء مثل تلك المجتمعات، فكانت النتيجة تحطم أحلام المجتهدين والمبدعين ووئد التزاماتهم الوطنية والقومية وإجبارهم مكرهين على الدخول فى حلقة التيه الجغرافى والثقافى وعيش الغربة والانعزال الإنسانى.

***

لقد مات المرحوم أحمد زويل واستراح من آلام وأحزان فجيعته ويأسه من استجابة أمته ووطنه لإدارة النهوض العلمى، باب الدخول لحضارة العصر. أما الآن من علماء العرب فعليهم الانتظار وتجرع مرارة اضطرارها لسقى أرض الغير بينما تبقى أرض آبائهم وأجدادهم، التى حبوها ويحبونها، عطشى تذروها رياح سموم السياسة.

مرة أخرى تثبت الأيام وعبرها بأن المدخل لكل إصلاح هو إصلاح السياسة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved