الدين وسيلة أم غاية؟

إكرام لمعي
إكرام لمعي

آخر تحديث: السبت 12 سبتمبر 2015 - 1:45 ص بتوقيت القاهرة

فى زيارة لرئيس وزراء الهند ناريندا مودى، للإمارات، طلب من الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، أن يمنح قطعة أرض لإقامة معبد هندوسى عليها، حيث إن عدد العاملين بدولة الإمارات من الهنود اثنا مليون ونصف المليون، وقد استجابه الشيخ، وإذ شعر رئيس الوزراء بالامتنان، كتب تغريدة يشكر فيها دولة الإمارات، فقامت الدنيا ولم تقعد بين مؤيد ومعارض.

بالطبع كان المعارضون أكثر، إذ يرفضون ذلك على أساس أن أرض الإمارات أرض إسلامية، وإن هذه انتكاسة دينية، أما المؤيدون فيرون أن هذا حقا طبيعيا لعدد من البشر يصل تعدادهم إلى ربع سكان الإمارات، هذا فضلا عن سماحة الإسلام. والسماحة غير التسامح؛ فالسماحة صفة للدين لا نملك إلا تحقيقها، أما التسامح فهو نشاط إنسانى يتوقف على مدى استيعاب الإنسان لفكرة السماحة المتجذرة فى الدين، كمبدأ عام وأحد مقاصده العليا.

إن الذين رفضوا لم ينتبهوا لآلاف اللاجئين السوريين والعراقيين الذين يلجأون إلى البلاد الأوروبية هربا مما يحدث فى بلادهم من تطبيق تفسير خاطئ للدين، أدى إلى عنف شديد ضد مسلمين وغيرهم أيضا بادعاء أن هذا هو الدين الإسلامى الصحيح؛ مما دفع الكاتب الصحفى المشهور، روبرت فيسك، لكتابة مقال يقول فيه للاجئين العرب، لماذا تلجأون إلى بلاد الكفار ولا تلجأون للبلاد المؤمنة الغنية؟، ولماذا تغلق بلاد المسلمين أبوابها أمام إخوتهم؟؛ والتعميم هنا خاطئ، لأنه بحسب الإحصاءات الرسمية نجد السعودية استقبلت أخيرا مليون لاجئ، لكن لأنها تحترمهم لا تضعهم فى خيام لكن تعطيهم إقامات بناء على حالاتهم. هذا بخلاف الذين يعملون لديها منذ سنوات، لكنهم فى الغرب ينظرون إلى السعودية كاستثناء فدول الخليج تغلق أبوابها فى وجه اللاجئين العرب. صحيح أغلقت فرنسا أبوابها فى وجه اللاجئين، أما رئيس وزراء بريطانيا، فقد تشدد رافضا لهم، لكن بعد ترحيب ألمانيا عادت بريطانيا إلى قبولهم نتيجة حوار مجتمعى، عادوا فيه إلى المبادئ الإنسانية التى بنوا عليها دولهم بعد الحرب العالمية الثانية؛ وهى أن الحرية الفردية لا تتجزأ، وإن الإنسان يعامل كإنسان، بغض النظر عن عرقه أودينه أو جنسه. لقد خضعت الحكومات المتشددة ضد اللاجئين أمام ضغط شعوبهم التى تعاطفت معهم، إذ لا ذنب لهم فى الحروب المستعرة فى بلادهم. إن ما حدث فى بلادنا بعد الربيع العربى من انقسام وتبدد وظهور الوجه القبيح للتشدد الدينى من ذبح للبشر كالأغنام وسوق النساء إلى تجارة النخاسة وجهاد النكاح؛ إنما يوضح إن بلادنا العربية تعيش غيبوبة حقيقية سواء فى مناهج التدريس أو الخطاب الدينى.

***
لقد كان سؤال الشيخ محمد عبده، والذى كان من تلاميذه سعد زغلول وطه حسين من جانب، ومحمد رشيد رضا من الجانب الآخر؛ لماذا يتقدم الغرب الكافر ويتأخر الشرق المؤمن؟ وكانت إجابة سعد زغلول وطه حسين وتلاميذهما، أنه يجب أن يكون هناك تفسير معاصر للكتب المقدسة يتجاوب مع معطيات العصر من تنوير وقبول للآخر وديمقراطية ومساواة؛ أما الإجابة على الجانب الآخر جاءت من الشيخ جمال الدين الأفغانى ومعه محمد رشيد رضا ثم حسن البنا بعد ذلك، تفيد بأن الحل فى الأمة الإسلامية والعودة للشريعة وأننا تركنا الله وعلينا العودة إليه، فالسبب فى تأخرنا هو السلوك وإهمال العبادة. وقد سارت الإجابتان بجوار بعضهما البعض وكلما ازداد الفقر فى البلاد بسبب قرارات اقتصادية خاطئة وانهيار التعليم فى المدارس وازدياد الاستبداد السياسى وتدمير حقوق الإنسان، كلما لجأ البشر إلى التشدد الدينى ورفض التنوير واستبعاد الآخر من الصورة.

من هنا نرى أن نكسة 1967، أنتجت الحلف المقدس بين الاستبداد السياسى والتشدد الدينى، والذى وصل بنا إلى الصورة التى نعيشها اليوم. لقد كنا نظن أن هبة الشعوب فى ربيعها العربى سوف تعطى مساحة من الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان لكننا فوجئنا أننا مازلنا فى حاجة إلى صدمة أكبر من ذلك بكثير صدمة تعيد الوعى إلى الشعوب فيدركون مدى التخلف السياسى والاقتصادى والثقافى والحضارى والدينى الذى يعيشونه. لاشك أن شعوبنا متغيبة بسبب التعليم الدينى الذى يقدم لنا منذ نعومة أظافرنا فيما يدعى بـ«الحق المطلق» على أساس أن الإنسان يستطيع أن يدرك الله بتفاصيله أو أنه يحيط به ويحتويه، فى حين أن كل الأديان تعلمنا ان الله الأزلى الأبدى غير المحدود لا يحده مكان أو زمان؛ أى أن الله هو إله العالم كله وهذا العالم ينقسم إلى نصفين نصف يؤمن به والنصف الآخر لا يؤمن به، لكن القسم الذى لا يؤمن بالله هو من خلقته لذلك يهتم الله بهم كأولاده رغم عدم معرفتهم المباشرة به. وهو وضع للخليقة قواعد وقوانين لما هو صحيح وإيجابى ومقبول منه وما هو خطأ وسلبى وغير مقبول، وهؤلاء البشر يدركون ذلك بعقولهم وضمائرهم وعبادتهم لآلهة غير الله، لكنها تحض على الأخلاقيات الإنسانية.

***
أما القسم الذى يعرف الله «الأديان الإبراهيمية» فهو يؤمن أن الله هو الغاية العظمى للإنسان، وأنا الدين هو الوسيلة للوصول إليه. وكل الأنبياء والكتب المقدسة تقول ذلك لكن مع مرور الزمن أصبحت الأديان هى الغاية، بل كل طائفة فى كل دين أصبحت هى الغاية؛ بمعنى أن كل اتباع دين أو مذهب وضعوا تصورهم لله بتفسيرهم الخاص للكتب المقدسة ورفضوا أى تفسير آخر سواء من داخل الدين نفسه أومن الأديان الأخرى؛ وهكذا أخضع هؤلاء المفسرون الله غير المحدود لمحدوديتهم فى التفسير وأصبحوا يدعون امتلاكهم الحق المطلق؛ والحق المطلق هو الله مع أننا جميعا نؤمن بأن الحق يمتلكنا ولا نمتلكه لأنه أكبر من عقولنا ومحدوديتنا، ومن المستحيل أن المحدود يحتوى اللامحدود.

لذلك لابد أن يكون حديثنا عن مفهومنا الإنسانى للحقيقة المطلقة من وجهات نظر مختلفة اعتمادا على تفسيرنا الإنسانى المحدود للكتب المقدسة «كل» على مستوى فهمه والحضارة التى يعيشها. لذلك لكى نصنع مستقبلا له قيمة فى منطقتنا نحتاج إلى استنارة حقيقية من خلالها نتساءل وننتقد ونعيد التفكير فى ما غرسوه فى عقولنا منذ الصغر عن الأبيض والأسود وعدم وجود مساحة رمادية. لقد حدث هذا فى الغرب من القرن الرابع حتى الخامس عشر حيث من ناحية كانت الكثلكة هى الأبيض والأرثوذكسية هى الأسود من الناحية الاخرى، بينما الكنيسة الشرقية «الأرثوذكسية» تؤمن أنها الأبيض والكثلكة هى الأسود لكن باجتياح التنوير وحرية الفكر والديمقراطية وحقوق الإنسان وقبل وبعد كل ذلك نقد الذات تبدل الحال هناك. أما هنا فمازلنا نعيش بين الأبيض والأسود فى داخل الدين الواحد وبين الأديان وبعضها البعض وللخروج من الأزمة لا بديل عن ثورة تنوير حقيقية نعترف فيها بضعفنا الفكرى ومحدوديتنا، وأنه لا يوجد إنسان يمتلك الحق المطلق، وأن الله فوق الأديان، وأن الأديان طرق إلى الله، وليست غاية فى ذاتها. هذه المبادئ الأربعة «التنوير الذهنى –فهم الحق المطلق – الله فوق الأديان – الأديان وسيلة للوصول لله»، لو بدأنا من اليوم دراستها ومناقشتها وتدريسها، أعتقد نكون قد اقتربنا من الحديث بلغة العالم المتقدم والمستنير على طريقتنا وحضارتنا دون تقليد أعمى ودون الإحساس بالنقص الذى يدعونا للتشدد.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved