«جود ريدز» عصر القراءة الرشيدة

سيد محمود
سيد محمود

آخر تحديث: الثلاثاء 12 سبتمبر 2017 - 9:20 م بتوقيت القاهرة

أهملت الصحافة المصرية على تنوعها خلال الاسبوع الماضى حدثا بالغ الأهمية يتعلق بالاحتفالات التى نظمها موقع «جود ريدز» بمناسبة مرور عشر سنوات على تأسيسه.
وباستثناء تقرير موسع نشرته الزميلة غادة قدرى على موقع «زحمة» الذى يتسم بالأناقة والرقى لم يجد هذا الحدث الاهتمام الواجب.
و«جود ريدز» لمن لا يعرف شبكة اجتماعية شبيهة بموقع «فيس بوك» لكنها قاصرة على إبداء الرأى وكتابة التعليقات والمراجعات النقدية حول الكتب فى مختلف فروع المعرفة، وتتيح الكثير من الخدمات المرتبطة بهذا الهدف. 
ويحقق الموقع ورواده من القراء الابرياء غير المتورطين فى حمى الصراعات ودوائر النفوذ نوعا من «ديموقراطية القراءة» لأنهم يكتبون التعليقات بحرية كاملة التزاما بمدونة سلوكية تحظر التعليقات الطائفية أوالمحرضة على العنف، ويمنح الموقع جائزة لأفضل عمل يختاره القراء فى أغلب فروع المعرفة وفى نوفمبر المقبل سيتم التصويت على أكثر 20 عنوانا شعبية فى كل الفئات.
وتثير التعليقات على الموقع تساؤلات عن الدافع الذى يستفز قارئا لكتابة تعليق مجانى تزيد عدد كلماته عن ألفى كلمة ليبدى رأيا فى كتاب أوعمل أدبى لمبدعين لا يعرفهم فى حين يفشل محررو الصفحات الأدبية على سبيل المثال فى إثارة حماس نقاد محترفين لكتابة تعليقات مشابهة مقابل مكافأة قد تكون غير مجزية لكنها «أحسن من مفيش».
وبحسب ما ترجمه موقع «زحمة» فقد ارتفع عدد المشتركين بـ«جود ريدز» بعد عشر سنوات إلى 55 مليون قارئ، كتبوا 50 مليون مراجعة كتاب، وأضافوا كتبا للقراءة بمقدار مليار ونصف المليار مرة.
وعبر تجوالى فى الموقع اكتشفت أن الكثير من التعليقات أكثر نضجا من كتابات نقدية أطالعها ولا تحقق هدفها فى إضاءة العمل أو بناء جسور الثقة مع القارئ والأهم دفعه لشراء الكتب وكان البعض يظن أنها سلعة لا مستقبل لها فى عصر الإنترنت الذى كاد أن يتحول إلى عصر للقراءة الرشيدة.
والمؤكد أن هذه النوعية من المواقع أسهمت كما يذكر راس جراندينيتى الذى كان نائبا لمدير «أمازون» فى تغيير طريقة الاطلاع على الكتب ومناقشتها» وأصبحت بديلا عصريا للصالونات الأدبية وحتى لصفحات الكتب فى المطبوعات اليومية غير المتخصصة. 
ويبدو «جودريدز» اليوم أحد أكثر أدوات قياس حرارة سوق القراءة فاعلية وتأثيرا، كما أنه حقق لمؤسسيه ثروة كبيرة ونفوذا لا حدود له أجبر موقع «أمازون» التجارى الشهير على شرائه قبل 4 سنوات فى صفقة لم يعلن عن قيمتها المالية إلى الآن.
والأكثر طرافة أن تجربة إطلاق الموقع كانت «عائلية» تماما وتشبه «أفلام عبدالحميد الترزى» التى سخر منها ثلاثى أضواء المسرح فى الستينيات فقد تولت السيدة أليزبيث تشاندلر تأسيسه مع زوجها أوتيس تشاندلر وبناتها الثلاث ولم يكن هادفا للربح عند إطلاقه لكنه بعد عام واحد فقط تلقى تمويلا من إحدى الشركات بدفعة تقدر بمبلغ 750.000 دولار. ولا تزال تشاندلر تحتفظ برئاسة تحريرالموقع إلى اليوم رغم صفقة أمازون التى كان من بين شروطها الابقاء على نفس فريق العمل الذى يضم ما يقرب من 150 موظفا من محبى الكتب فى عدة مدن، فلم تحدث هذه «الخصخصة» أو الرأسملة أى تشريد لأفراد تلك العائلة الجميلة التى تبادلت مع رواد الموقع الاسبوع الماضى العديد من قصص النجاح. 
ومن يطالع تعليقات القراء المصريين على الموقع قد يعتقد أنها أصيبت بعدوى «الهرى» الفيس بوكى أو انها أفرزت لا سمح الله جيلا جديدا من القراء يفتقدون صرامة المعايير وبعضهم تحول إلى «التراس» أو كتائب لمناصرة كتاب بعينهم أو الحط من شأن كتاب آخرين وربما العمل لحساب دور نشر بعينها وهذا صحيح ووارد ومتوقع، لكن ما لا يمكن إنكاره أن الكثير من هؤلاء الذين بدوأ قراء أبرياء يمتلكون الآن صوتهم الابداعى الخاص وبعضهم امتلك شجاعة الاعلان عن نفسه وتأليف كتاب يتناول تجربته مع القراءة ومن هؤلاء إبراهيم عادل الذى يصدر قريبا كتابه «أن تعيش لتقرأ» تأثرا بعنوان مذكرات ماركيز «أن تعيش لتروى» كما أن واحدة من بين هؤلاء الذين قدمهم الموقع كقراء وهى وئام مختار تختمر معرفتها الأدبية بعمق ومزاج كاشف عن موهبة أصيلة تعيش مخاض الانتقال الهادئ من شم «رحيق» الكتابة إلى مرحلة إنتاج العسل.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved