دعوة لتهشيم الموبايلات

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: الخميس 12 سبتمبر 2019 - 8:00 م بتوقيت القاهرة

شاهدت فيديو قبل أسابيع قليلة لسيدة تبدو ملامحها أوروبية، وهى تجمع أولادها فى حديقة منزلها، أخذت منهم هواتفهم النقالة، ووضعتها على خشبة بالحديقة، ثم أمسكت ببندقية. وقبل أن تبدأ التصويب على الهواتف، قالت فيما يشبه الخطبة: «أنا هنا لأشجب وأستنكر دور وتأثير برامج التواصل الاجتماعى على أولادى. ومنها عصيان الأوامر وقلة الاحترام، وحينما بدأت التصويب وأصابت الهاتف الأول بدقة، كان بعض أبنائها يسخرون مما تفعله، فقالت لهم بعصبية: «ما أفعله الآن كى أستعيد مكانتى كوالدة، أرفض أن يشتمنى أحد منكم، وأرفض عصيانكم الأوامر وغياب الاحترام، أنا مصممة على استعادة دورى كأم. كلمات أبنائى معى، هى أكثر أهمية بالنسبة لى من أى جهاز إلكترونى، وأرفض أن يكون لهذه الأجهزة كل هذا التأثير السلبى على أولادى، الذين يتواصلون مع أشخاص لا يعرفونهم، ويتورطون بمشاكل لا دخل لهم بها، ويقعون بمشاكل فى مدرستهم لأنهم أحضروا هواتفهم معهم»!.
السيدة جمعت ما تبقى من الهواتف بعد إطلاق النار، ووضعتها على كتلة خشبية ثم بدأت فى تهشيمها بمطرقة كبيرة وهى تمتلئ بكم هائل من الغضب!.
مرة أخرى لا أعرف مدى دقة هذا الفيديو، وهل هو حقيقى أم مقلد، لكن ما أعرفه جيدا أنه يعبر عن حالة حقيقية موجودة فى غالبية بيوت العالم تقريبا.
بالطبع قد تكون الطريقة عنيفة باستخدام البندقية الآلية فى تدمير الموبايلات. لكن ولو كان الأمر بيدى، لقمت بإعادة صياغة هذا الفيديو، لكى يصل محتواه إلى الجميع فى مصر، خصوصا جيل الشباب وأن يتحول إلى ما يشبه المقرر الدراسى فى المرحلتين الابتدائية والإعدادية.
ما فعلته السيدة هو صرخة احتجاج قوية من كثيرين خصوصا أولياء الأمور، الذين بدأوا يدركون الجانب السلبى الكبير للموبايلات وسائر أجهزة الاتصالات الحديثة، بالطبع للموبايلات أو الهواتف الجوالة فوائد عظيمة، لا ينكرها إلا أعمى، فهى التى سهلت الكثير من أمور حياتنا خصوصا الوقت والجهد والمال، وأحدثت ثورة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى فى عالم الاتصالات والتواصل الاجتماعى. لكن نحن هنا اليوم نتحدث عن الجانب السلبى لهذه الظاهرة، والبحث فى إمكانية تجنبه، وتعظيم الجانب الإيجابى، يندر أن تجد أبا أو أما لا يشكو من إدمان أولاده الصغار والكبار للموبايل، وأنهم يقضون معظم أوقاتهم محدقين فى شاشات هذا الكائن السحرى الذى فتن الجميع، كبارا وصغارا.
لم تعد خطورة أجهزة الهواتف والآيباد وغيرها، أنها تؤدى إلى الإدمان أو الانعزال وعدم التواصل مع الأسرة أو المجتمع، رغم أن كل ما سبق فى حد ذاته شديد الخطورة، لكن الأخطر هو أن هذه الحالة قد تؤدى إلى جرائم لا حصر لها.
لم تعد الأسر تعرف ماذا يفعل أبناؤها مع أجهزة هواتفهم، وأى مواقع يدخلون، وأى عوالم يتعاملون معها، ويعيشون فيها!.
سمعنا وقرأنا عن الجرائم التى ارتكبها بعض الأطفال والمراهقين بسبب إدمانهم لبعض ألعاب الفيديو على هذه الأجهزة، وسمعنا عن النوعيات التى نجح المتطرفون والإرهابيون فى تجنيدها سواء كانوا أوروبيين أو عربا أو آسيويين، حدث كل ذلك من خلال أجهزة الهاتف. لا أقول أن الموبايل هو سبب التطرف. لكن ما أقصده أنها صار فى ظل غياب التربية والقيم والثقافة الوسيلة التى تنتشر عبر القيم السلبية.
هناك طرق كثيرة بدأت بعض الأسر فى اتباعها، لكى تحد من إدمان أبنائها لأجهزة الهواتف مثل تقليل عدد الساعات التى يقضونها معها. وكذلك أن يكون هناك دور مهم للأسرة فى معرفة ماذا يشاهد أو يسمع أبناؤهم فى هذه الأجهزة، خصوصا الفئة من ٨ ــ ١٨ سنة.
أسمع كل يوم قصصا غريبة عن حالات شاذة لأطفال صغار، صاروا لا يعرفون شيئا عن مجتمعاتهم وعروبتهم ودينهم وتقاليدهم، لأنهم يعيشون فى عوالم افتراضية كاملة.
مثل هذه النوعية هى الأكثر خطرا على الأمن القومى بمفهومه الشامل.
لا أطالب بجمع الموبايلات والتصويب عليها بالبنادق أو تهشيمها بالمطارق كما فعلت الأم، بل إلى أن تنتبه كل الأسر إلى أهمية وضرورة التحاور مع أولادها خصوصا الصغار، حتى لا نتفاجأ أنهم تحولوا إلى وحوش ضارية أو صاروا ينتمون لمجتمعات وثقافات وقيم مغايرة تماما.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved