جوائز نوبل

محمد زهران
محمد زهران

آخر تحديث: السبت 12 أكتوبر 2019 - 9:55 م بتوقيت القاهرة

في هذا الوقت من كل عام تُعلن أسماء الحاصلين على جوائز نوبل في الفيزياء والكيمياء والطب أو الفيسيولوجيا والأدب والسلام ثم زادت عليهم جائزة الاقتصاد سنة 1969، قبل الإعلان عن تلك الجوائز بعدة أسابيع تكثر التوقعات والتنبؤات والأمنيات وبعد الإعلان عن الجوائز يكثر الجدل عند البعض والفرح عند البعض الآخر والحسرة عند البعض الثالث، مقالنا اليوم عن جوائز نوبل والتي نحلم دائماً أن يفوز بها الكثيرون من عندنا في مصر لدرجة أن هناك برنامج بدأ في المركز القومي للبحوث بعنوان الطريق إلى نوبل منذ أكثر من عقد من الزمان أعتقد حوالي سنة 2007، فلنتحدث اليوم عن نوبل.

النقطة الأولى هي أن في عصرنا هذا الإكتشافات العلمية الكبرى والتي تغير نظرتنا للكون أو تحسن حياة الناس للأفضل بدفعة كبرى للأمام لم تعد عمل باحث واحد بل مجموعة كبيرة من الباحثين، لذلك من أهم المهارات التي يجب أن نتعلمها جميعاً هي كيفية العمل كلاعب في فريق وليس كمدير فني، نحن للأسف نحب أن نكون مديرين وليس عاملين وهذا يضر البيئة العلمية كثيراً، لكن لماذا يريد الجميع أن يديروا بدلاً من أن يعملوا؟ هذا يقودنا للنقطة التالية.

جائزة نوبل تُمنح لثلاثة أشخاص بحد أقصى فيما عدا جائزة السلام التي قد تعطى لمؤسسة أو جمعية، لذلك من يدير يظن أنه في دائرة الضوء وبالتالي تكون فرصه في الفوز بالجائزة أكبر، هذا التفكير فيه جزء من الصحة والذي يدير المجموعة يكون مستحقاً للجائزة في حالة إذا كانت الفكرة الأساسية فكرته والطريق العلمي من الفكرة للحل جاء عن طريقه، طبعاً حل مشكلة علمية كبرى يستلزم حل مشاكل علمية صغيرة ثم تركيب تلك الحلول معاً للوصول للحل النهائي، تلك المشاكل العلمية الصغرى قد يتم حلها عن طريق باحثين آخرين في الفريق لكن من صاحب فكرة العمل في المشكلة العلمية الكبرى؟ من صاحب الطريق العلمي المملوء بالمطبات والذي يجب عبوره كي نصل للحل؟ هذا هو من يستحق الجائزة، لكن أن تكون قد توقفت عن البحث العلمي وتستغل علاقاتك للحصول على تمويل تُعَين به باحثين آخرين يعملون الجزء الأكبر إن لم يكن الكل من البحث وتضع إسمك فقط على أبحاث لا تعرف حتى ما فيها وتريد الحصول على الجائزة فأنت للأسف "حرامي"، وقد يقول قائل ولكن ذلك البحث لم يكن ليتم لولا التمويل، هذا صحيح، لكن جائزة نوبل تعطى على فكرة علمية وليس على القدرة على تمويل البحث العلمي، لو مولت شركة ما لاعب إسكواش أو تنس مثلاً وحصل هذا اللاعب على بطولة كبرى فهل نعطي الكأس للشركة أم للاعب؟ طبعاً يجب شكر الشركة على تمويلها كما سنشكر مدير الفريق العلمي على تمويله، وقد يقول قائل آخر أن هذا المدير الباحث لم يكن ليحصل على تمويل لولا أبحاثه الناجحة السابقة، نقول فربما سيأخذ نوبل على أحد الأبحاث السابقة وليس على البحث الذي لم يفعل فيه شيئاً سوى التمويل.

النقطة الثالثة هي الوقت، للأسف الكثيرون يريدون أن يختصروا الزمن ويحصلوا على الجائزة بعد الإكتشاف العلمي مباشرة وهذا لا يحدث أبدا، الإكتشاف العلمي الكبير قد يأخذ عقوداً من العمل المضني ثم يُنشر البحث، يظل البحث وتطبيقاته بين أيدي الباحثين الآخرين وأهل الصناعة والأعمال (حسب نوع التخصص) حتى يتأكد المجتمع أن البحث صحيح بدرجة كبيرة وأن له تطبيقات تغير من شكل الحياة للأفضل وهذا يستغرق عدداً كبيراً من السنوات، إذا لو قلت أنني سأبدأ البحث الآن وٍانتهي منه بعد ثلاث سنوات فأنت لا تعمل في البحث العلمي ولكن في مشروع هندسي أو تكنولوجي، البحث العلمي هو سير في طريق لا تعرفه ولا تعرف طوله ولم يطرقه أحد من قبلك وفي الظلام فعليك إيجاد مصدر إضاءة ورسم خريطة لمن يأتي بعدك وهذه مهمة لا تستطيع مقدماً التنبؤ بمدتها.

أخيراً وليس آخراً من الأفضل كثيراً أن تعمل في البحث العلمي من أجل العلم وإعمار الأرض وليس من أجل التكريم لأن ذلك قد يضعك تحت ضغط نفسي لا طائل منه وقد يجعلك تختار مشكلة بحثية لا تناسب قدراتك أو شخصيتك فقط لأنك تظن أنها ستفوز وتجعلك شهيراً وغنياً.

المجتمع العلمي أهم من جائزة يحصل عليها شخص أيا كانت رفعة تلك الجائزة وأهميتها، بعد أن يصبح عندنا مجتمع علمي ستأتي الجوائز.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved