العنف وجرائمه فى مصر

جورج إسحق
جورج إسحق

آخر تحديث: الجمعة 12 نوفمبر 2021 - 8:20 م بتوقيت القاهرة

شهدت الفترة الأخيرة فى مصر جرائم عنف لم نسمع عنها من قبل، ففى حادثة الإسماعيلية التى تنعم بالهدوء قام أحد الأشخاص بذبح أحد العمال وفصل رأسه عن جسده، وتجول بالرأس فى شوارع المدينة. هذا الحدث لا يمكن أن يمر مرور الكرام، فالسلبية التى شاهدناها فى هذه الجريمة ليست من شيم المصريين الذين طالما وقفوا مدافعين عن أى شخص يتعرض للعنف، ومحاصرين لمرتكبيه حتى يتم القبض عليهم. ولكن السلبية فى هذا الموقف تتطلب من علماء الاجتماع دراسة الظاهرة بكل تفاصيلها.
حادثة الاسماعيلية إلى جانب حوادث العنف الأخرى لم تعد منحصرة فى الطبقات الدنيا فقط، ولكن أصبحت ترتكب فى الطبقات العليا أيضا؛ مثل: الطبيبان اللذان جمعهما حب كبير إلى أن انتهى بقتل الزوج لزوجته أمام أولاده! ومحاسب قتلته زوجته بسكين خلال مشاجرة بينهما!
لا يمكن أن نقلل من خطورة هذه الجرائم التى أصبحت منتشرة بشكل كبير، وليس من المعقول أن تبرر هذه الجرائم وفقا للحالة المزاجية أو العصبية التى مر بها الجانى، فهناك الكثير من الأسباب التى تؤدى إلى العنف والقتل؛ مثل انتشار المخدرات بشكل كبير، حيث أصبحت بعض المناطق أسواقا لأشكال ومواد جديدة مخدرة، إلى جانب تطورها، فبعض أنواع «حبوب الهلوسة» شديدة الخطورة والتى تنتشر بين الشباب مثل التى تسمى «الشامبو» و«الآيس» و«الكريستال» و«الشيطان» لا تزرع بل تصنع كيميائيا، ولا يوجد لها علاج مثل باقى أنواع المخدرات الأخرى، لذلك ينتهى الأمر لمن يتعاطاها إما بقتل نفسه أو قتل الآخرين.
•••
اشتملت جرائم القتل قتل أفراد العائلة لبعضهم بسبب المشاكل الأسرية أو الإرث. وكان الشهر الأعلى فى ارتكاب الجرائم هو شهر مايو، حيث وصل عدد هذا النوع من الجرائم إلى 17 جريمة، إلى جانب الضرب حتى الموت وجرائم التعذيب وجرائم الختان وزنا المحارم والعنف ضد المرأة بالذات. فجرائم قتل النساء والفتيات بسبب العنف وصلت إلى 76 جريمة! ووصلت جرائم الشروع فى القتل فى الأسرة الواحدة إلى 18 جريمة، وبالنسبة إلى حالات الاغتصاب تم رصد 11 حالة اغتصاب سجلت فى القاهرة، وأيضا 25 حالة انتحار للفتيات والسيدات! كل هذا يتطلب وقفة جادة ودراسة علمية دقيقة لرصد ما يحدث للمصريين من تغيير فى سلوكهم.
والحادثة الأغرب والمثيرة للجدل أن اثنين من طلاب الجامعة، أحدها فى كلية الطب والآخر فى كلية الهندسة، استأجرا غرفة فى أحد الفنادق بمدينة الإسكندرية وقررا الانتحار لأنهما لا يستطيعان العيش فى مجتمع يسوده الكذب والظلم.. ألا تستدعى هذه الظاهرة دراسة جادة لهذا الجيل الشاب الذى يعتبر ثروة مصر القومية! هل تمر مصر من هذه الحادثة دون أن تتواصل كل الأجهزة مع الشباب لمعرفة ماذا يضايقهم فى حياتهم المعيشية؟.. لو أجرينا استفتاء بين الشباب لوجدنا أن أغلبهم غير راض عن حياته.
•••
مجالات العنف كثيرة؛ مثل التفرقة بين الرجل والمرأة فى ارتكاب جريمة الزنا، ففيها محاباة للرجل بشكل واضح. فالزوج الذى ثبت ارتكابه الزنا فى منزل الزوجية يعاقب بالحبس لمدة لا تزيد على 6 أشهر، أما المرأة فمدة حبسها لا تزيد على سنتين!
ومن جرائم العنف الأخرى التى أهتم بها المجلس القومى لحقوق الإنسان هى ختان الإناث. المواثيق الدولية لحقوق الإنسان تدين أشكال التمييز ضد المرأة فى اتفاقية «السيداو». ويعتبر المجلس القومى لحقوق الإنسان أن قضية ختان الإناث تعد من أبرز أساليب العنف ضد المرأة، ومازالت الفتيات يتعرضن للختان فى سن صغيرة بنسبة تجاوزت التسعين بالمائة بما يعد انتقاصا من كرامة المرأة وإنسانيتها!
وقد حسم الدكتور محمد سليم العوا، المفكر الإسلامى، مسألة حكم الدين الإسلامى فى قضية ختان الإناث، عندما قرر أن «حكم الشرع فى ختان الأنثى أنه لا واجب ولا سنة، ولا يدل على أحد منها دليل، وليس مكرمة أيضا لضعف جميع الأحاديث الواردة فيه، بل هو عادة ضارة ضررا محضا لا يجوز إيقاعه بإنسان دون سبب مشروع». والدليل على أن الختان ليس له أصل فى الدين الإسلامى أن الدول الإسلامية لا تمارس ختان الإناث مثل دول الخليج ومنها السعودية وسوريا ولبنان وماليزيا وإندونيسيا.
وفى المسيحية، ما يسمى ختان الإناث ليس له أى سند دينى إطلاقا، ولا سند أخلاقيا، ولا توجد آية واحدة فى الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد تحدث عن ختان الإناث، وقرر رجال الدين المسيحى أن ما يسمى ختان الإناث خطأ وخطيئة، وهو ممنوع دينيا وإنسانيا وصحيا.
وأخيرا أضاف القانون رقم 126 لسنة 2008 عقوبات ضعيفة، ولكنها قويت فى الأيام الأخيرة، ونتمنى أن تطبق.
•••
يعد التحرش الجنسى من جرائم العنف أيضا، سواء كان لفظيا أو بدنيا، والذى يرجعه البعض انطلاقا من جهل شديد إلى سلوك الفتيات سواء فى المظهر العام أو الملبس، إلا أنه ثبت أن التحرش يلحق بالمحجبة والمنتقبة، فهو سلوك غير اجتماعى، تجرمه قوانين الدولة وتطبق عليه العقوبات. ومن المظاهر السيئة الموجودة الآن فى المجتمع السب العلنى فى ألفاظ تصيب حياء النساء فى الطرقات العامة.
ويعتبر العنف الأسرى واحد من مظاهر العنف؛ من إساءة معاملة المرأة ومحاولة السيطرة عليها، والتهديد الدائم بالاعتداء عليها، والإساءة البدنية بالضرب أو الجرح، والإساءة الاقتصادية بحرمانها من حقوقها المالية مثل حرمان المرأة من الميراث، واغتصاب الزوجة والذى يعد فى قانون العقوبات المصرى جناية، وقد يرى البعض أن هناك آراء فى الفكر الإسلامى تجيز للزوج مواقعة زوجته دون رضاها ولكن القانون لم يأخذ بهذه الآراء عندما صاغ المادة 267 من قانون العقوبات، وتنص القوانين على الحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر ولا تزيد على ثلاث سنوات.
وقد أوصى المجلس القومى لحقوق الإنسان فى تقريره حول المراجعة الدورية الشاملة لحماية حقوق الإنسان فى الفترة من 2006 إلى 2009، والمقدم لمجلس حقوق الإنسان بجنيف، بضرورة الإسراع بإصدار تعديل قانون العقوبات المتعلقة بالعنف ضد المرأة بما فى ذلك التحرش الجنسى وجرائم الشرف.
هل كل هذه المظاهر تستوجب منا اجتماع كل علماء الاجتماع فى مصر وكل المتخصصين فى هذا الشأن وإصدار التشريعات المغلظة فى كل ما يتعرض له الشعب المصري! هذا واجب علمى وأخلاقى لدرء الأخطار عن مستقبل الشعب المصرى فى الأيام القادمة.
هل نرى قريبا مؤتمرا لعلماء الاجتماع والتربية لاتخاذ إجراءات واقعية لتغيير المفاهيم والسلوكيات المغلوطة، سواء من خلال تشريعات ترسل إلى مجلس النواب والشيوخ أو عن طريق توعية طلاب الجامعات والتعليم قبل الجامعى بأخطار العنف؟.

نتمنى أن نرى هذا فى القريب العاجل لبناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved