حرب غزة تغيّر أولويات بايدن.. الصين تتجرأ وأوكرانيا مُحرجة!
قضايا إستراتيجية
آخر تحديث:
الأحد 12 نوفمبر 2023 - 7:40 م
بتوقيت القاهرة
نشر موقع 180 مقالا للكاتب سميح صعب، تناول فيه تأثير انشغال أمريكا بالحرب الروسية الأوكرانية وبعدها حرب غزة على التنافس مع الصين، وعلى علاقاتها مع الحلفاء فى آسيا... نعرض من المقال ما يلى:
لن يشعر الرئيس الصينى شى بالضغط الذى يشعر به نظيره الأمريكى بايدن عندما يجتمعان على هامش قمة «آبيك» فى سان فرانسيسكو بولاية كاليفورنيا الأربعاء المقبل، بعدما زادت حرب غزة من مشاغل الولايات المتحدة (الحرب الروسية الأوكرانية)، بالإضافة لانقسامها الداخلى.
تلافيا للأضرار، وسريعا، انتقل وزير الخارجية بلينكن من اجتماعات ماراثونية فى إسرائيل ودول عربية وتركيا، إلى اليابان وكوريا والجنوبية والهند، كى يُطمئن شركاء أمريكا فى آسيا، بأن لا شىء تغير بالنسبة إلى التزامات واشنطن فى المنطقة، لا سياسيا ولا عسكريا. وزيادة فى التطمين، رافق وزير الدفاع لويد أوستن بلينكن فى جولته.
السؤال المشترك الذى يطرحه الحلفاء فى آسيا الآن، هل فعلا أمريكا قادرة على خوض حربين والمضى قدما فى المواجهة الكبرى مع الصين؟ النائب اليابانى والمستشار السابق فى الأمن القومى أكيهيسا ناغاشيما قال خلال منتدى استراتيجى فى سيدنى بأستراليا الأسبوع الماضى: «أكثر ما يُقلقنا هو تحويل المقدرات العسكرية الأمريكية من شرق آسيا إلى الشرق الأوسط. إننا نأمل فى أن ينتهى هذا النزاع فى أسرع وقت ممكن».
من الطبيعى أن الالتزامات الأمريكية الطارئة حيال إسرائيل، لا بد وأن تنعكس تأخيرا فى الوفاء بصفقات تسلح وعدت واشنطن بها كلا من تايوان واليابان وأستراليا. وبعد أسبوعين من انفجار حرب غزة، زاد نشاط البحرية الصينية فى بحر الصين الجنوبى، وحصلت احتكاكات مع سفن حربية فيلبينية هى الأخطر منذ 20 عاما. وقبل أيام، صعّدت الصين من تحركاتها العسكرية وعبرت حاملة الطائرات الصينية «شاندونج» مضيق تايوان. وأتى هذا العبور بعدما أعلنت الصين أن قواتها «فى مستوى تأهب مرتفع دائم»، إثر مرور سفينتين حربيتين أمريكية وكندية عبر هذا الخط البحرى الاستراتيجى الأسبوع الماضى. ليس هذا فحسب، بل اقتربت مقاتلة صينية إلى مسافة عشرة أقدام من قاذفة «ب ـــ 52» أمريكية فوق بحر الصين الجنوبى، الأمر الذى كان من الممكن أن يتسبب باصطدام صينى ــ أمريكى.
بيد أن الأمر الأكثر خطورة هو لو طالت الحرب فى الشرق الأوسط، خصوصا إذا ما اتسعت دائرتها. فى مثل هذه الحال، تورد صحيفة «النيويورك تايمز» كيف أن جورج دبليو. بوش اضطر عقب هجمات 11 سبتمبر 2001 إلى تبنى سياسة مهادنة مع الصين، كى يتفرغ لغزو أفغانستان ومن بعدها العراق. فهل ينحو بايدن منحى بوش ويدخل فى مهادنة مع الصين، كى يتسنى له مواجهة حربين فى وقت واحد؟ ثم ماذا عن أمن إمدادات النفط إلى اليابان والهند فى حال توسّعت الحرب؟
هنا تطرح غزة نفسها مادة أساسية فى النقاش بين بايدن وشى، وربما تتقدم على الخلافات التجارية وأشباه المواصلات والذكاء الاصطناعى. لكن لكل من واشنطن وبكين نظرة مختلفة إلى الصراع فى الشرق الأوسط.
للصين اليوم مصالح كبيرة فى الشرق الأوسط، سواء عبر الاتفاقات الاستراتيجية مع دول الخليج العربية أو مع إيران. وهى منذ نجحت فى وساطة إعادة تطبيع العلاقات بين الرياض وطهران فى مارس الماضى، تطمح أيضا إلى مساهمة أكبر فى أى تسوية بالشرق الأوسط.
الدور الصينى المتعاظم فى المنطقة، أثار حفيظة الولايات المتحدة التى دأبت فى الأشهر الأخيرة إلى العمل لأجل العودة للمنطقة، من باب العمل على التطبيع بين السعودية وإسرائيل.
الآن، غيّرت حرب غزة الخطط الأمريكية ودفعتها إلى الانخراط فى مساعدة إسرائيل عسكريا وعلى حشد قواتها فى المنطقة، فى رسالة ردع لمنع توسع الحرب. والعين هنا على إيران وحزب الله وباقى القوى المتحالفة مع طهران فى سوريا والعراق واليمن.
صحيح أن الولايات المتحدة تعود عسكريا وسياسيا من باب الحرب فى غزة، لكنها لا ترغب فى انخراط مباشر فى نزاع آخر فى الشرق الأوسط. والمعاناة الأكبر التى تمر بها اليوم هى فى كيفية إيجاد توازن بين دعم إسرائيل واستمرار الحرب والحئول فى الوقت نفسه دون انفجار أوسع فى المنطقة.
هل يطلب بايدن مساعدة بكين فى خفض التصعيد؟ وما هو الثمن الذى ستتقاضاه الصين فى المقابل؟ فى أوكرانيا، رفضت واشنطن أن تساهم الصين فى الحل برغم تقدمها بمبادرة سلام فى فبراير الماضى.
الأوضاع اختلفت بعد الحرب فى غزة، والولايات المتحدة تجد نفسها فى عزلة دولية بسبب تأييدها المطلق لإسرائيل. 12 دولة فقط (بينها ست دول من جزر المحيط الهادئ) وقفت مع أمريكا فى معارضة مشروع القرار الأردنى فى الجمعية العامة للأمم المتحدة الذى دعا إلى هدنة إنسانية فى غزة.
الحرب الناشبة اليوم، عزّزت جبهة الجنوب العالمى بقيادة الصين وروسيا. وحتى روسيا التى تحوّلت إلى اقتصاد الحرب قد تتحول العام المقبل إلى الهجوم فى أوكرانيا وهو احتمال يُؤرق الغرب.
فى سبتمبر الماضى، رفض شى جين بينج الذهاب إلى نيودلهى لحضور قمة مجموعة العشرين كى يتجنب لقاء بايدن. بعد 4 أيام يذهب الرئيس الصينى إلى كاليفورنيا ليجتمع ببايدن. هى خطوة محسوبة بدقة وتعكس وضعا صينيا عالميا أكثر ارتياحا بينما أمريكا تترنح تحت ثقل أزمات، معظمها من صنع أيديها.
النص الأصلى