فى وداع سنة عربية.. ثقيلة الوطأة!

طلال سلمان
طلال سلمان

آخر تحديث: الأربعاء 12 ديسمبر 2018 - 12:25 ص بتوقيت القاهرة

وها هو مجلس التعاون الخليجى يكاد يتفكك ويفقد الدور الذى أريد له أن يلعبه كنادٍ لأغنياء العرب بالنفط والغاز فلا يجد من ينعاه إلا أمير دولة الكويت..
لكأنه ممنوع على الدول العربية أن تلتقى ولو على قاعدة الحد الأدنى..
لقد أقيم هذا المجلس، أصلا كبديل للإخوة الأغنياء فى جامعة الدول العربية التى تضم أكثرية من الدول الفقيرة (مصر، تونس، سوريا، لبنان، جيبوتى والصومال والسودان.. إلخ).
لم يعد ملوك النفط وأمراء الغاز يقبلون أن يكونوا شركاء فى المصير مع إخوتهم الفقراء الذين يرزحون تحت أثقال القضايا المقدسة: فلسطين، الاستقلال السياسى مشفوعا بالتحرر الاقتصادى، وقبلها ومعها أية صيغة للاتحاد أو الوحدة بين الدول العربية تثبيتًا للإيمان بالمصير المشترك والتلاقى من أجل الغد الأفضل.. ولو كره الكارهون.
المستقبل فى العلاقة مع «الأصدقاء الكبار والأغنياء»، كالولايات المتحدة الأمريكية أساسا، ومن بعدها روسيا التى تخففت من أثقال الشيوعية، والصين التى تتحول إلى الرأسمالية ولو بخطى المليار ونصف المليار صينى المشغولين بمنافسة الدول الصناعية الكبرى فى أسواقها كما فى «بناء إفريقيا» السوداء بالأيادى الصفراء.
لقد أُخرجت «المشاغبة» قطر من مجلس التعاون العربى ذاهبة إلى إسرائيل ومن ثم إلى تركيا فألمانيا وسائر أوروبا تبيع ثروتها الاستثنائية.. وكانت هذه الدويلة الغنية قد نجحت ــ بالتواطؤ مع سائر الإخوة الأغنياء ــ فى «طرد» سوريا من جامعة الدول العربية.
.. وها هى سلطنة عُمان تستقبل رئيس الحكومة الإسرائيلية سفاح أطفال فلسطين، بنيامين نتنياهو، ويشد سلطانها قابوس على يديه ثم على يدى زوجته مرحبا، سعيدا بسماعه يقول إن دولا عربية عدة قد أبدت استعدادها لاستقباله، ممهدة لذلك بفتح قنصليات يمكن أن تتحول إلى سفارات فى أى لحظة (مشيرا بشكل خاص إلى دول مجلس التعاون الخليجى..).
***
إذن جامعة الدول العربية مشلولة، معطلة الدور، وكل دولة تخطط لنفسها السياسة التى تناسب حاكمها، بمعزل عن الدول الشقيقة الأخرى، وأحيانا على حسابها.
.. وكل المؤسسات الجامعة التى تفرعت عن جامعة الدول العربية، والمعنية بالوحدة الاقتصادية والوحدة الثقافية وصولا إلى مجمع اللغة العربية، معطلة عن الفعل.. ربما كان موظفوها ما زالوا يتقاضون رواتبهم، لكنهم بلا عمل، فإذا ما عملوا فليس ثمة من ينظر فى إنتاجهم فيقبله أو يسجل عليه الملاحظات التى لن يقرأها بعده أحد.
صارت جامعة الدول العربية «تكية» للمعارضين فى بلادهم، يوفدون إليها لكى يعارضوا فى مقاهى القاهرة والحفلات الدبلوماسية.. مع حرص على عدم تفويت أى حفلة طرب أو.. خلافه!
أما الحكم فهو من حق الجديرين به، ممن يعرفون مسار الرياح، فيبدلون فى مواقفهم ليحتفظوا بموقعهم فى السلطة أو يرتقوا إلى فوق.. فالموقع أهم من الموقف.. هكذا يعلمنا التاريخ!
الخريطة واضحة إذن: بلاد العرب لم تعد للعرب. إنها أرض نفوذ للأقوى.. وهكذا فإن الأقوياء هم أصحاب الكلمة فى حاضر العرب ومستقبلهم، لا فرق بين الجمهوريات والملكيات والإمارات إلا.. بالثروة. فأما الدول الفقيرة فلا رأى لها، وعليها أن تخضع لموازين القوة: أمريكا أولا ومعها بل ضمنها إسرائيل.. ثم روسيا، انطلاقا من سوريا، وروسيا اليوم ليست الاتحاد السوفييتى. إنها بلاد القيصر بوتين وليس القيصر ستالين.. أما لينين المؤسس فلم يتبق منه إلا تمثاله كتذكار من الماضى وعليه. وبوتين ليس متعصبا، فلا هو يعادى الأمريكان بشخص الرئيس الظريف دونالد ترامب الذى لا ينام ولا يترك الأمريكيين، وكذلك الأوروبيين، وضمنهم الروس ينامون. أما العرب فقد أوكلوا إليهم أمورهم من النفط إلى فلسطين، ومن الغاز إلى مستقبل العراق وسوريا ولبنان البلا حكومة، فإلى ليبيا البلا دولة، فإلى الجزائر، فإلى تونس الذى يعجز الحكم عن الإنجاز ويعجز الشارع عن التغيير.
***
النفط أثقل مسئولية من أن يتحمله بعض أهل الخليج، والغاز أعظم شأنا من أن تترك المسئولية لأمير تعاظم شأنه أكثر مما تتحمل جزيرته الصغيرة، خصوصا وأن له شريكا غير ظاهر هو إيران.
وهكذا فلابد أن يتولى ترامب هذه المسئولية الخطيرة فيحدد لكل دولة (عربية) كم تنتج وبأى سعر يناسب الولايات المتحدة وحلفاءها، ومن لم يعجبه الحال فليشرب نفطه ثم يتناول الغاز لكى تهضم معدته ما دخلها.
ولأن المسئولية ثقيلة فلا بد أن تحدد واشنطن أسعار هذه المواد الاستراتيجية، فلا يجوز أن يجنى عرب الخليج مليارات المليارات من الدولار بينما لا يزال فى أمريكا طوابير من الفقراء الذين لا يجنون ما يقوم بأودهم.
بالمقابل فإن أوروبا تعيش أزمة اقتصادية خطيرة، تسببت، بداية، فى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى لتعود مملكة تتبعثر أجزاؤها فى أكثر من بحر، وتعيش أزمة سياسية خطيرة.. بينما مستشارة ألمانيا الأقوى من ألف رجل.. تخرج من السلطة بصمت الكبير بعدما هزمتها الديمقراطية فى الانتخابات الأخيرة.
بالمقابل فإن تركيا قد وجدت فى جثة الكاتب الصحفى جمال خاشقجى استثمارا لا نظير له، ورئيسها أردوغان يلعب بهذا الرصيد مع السعودية عبر واشنطن، ويدعم قاعدته العسكرية فى قطر. إنه يملك الآن أغلى جثة فى التاريخ، وهى مطروحة فى المزاد الدولى العلنى: لواشنطن الأفضلية، وعلى السعودية أن تدفع الثمن مرتين أو ثلاثا: لواشنطن ثم لأنقره، أو العكس، ثم لروسيا التى تتملقها لتنجز صفقة الصواريخ 400ــS المضادة لكل ما يتحرك ويطير.

***

أما أحوال العرب فهى «تمام التمام»:
 فى العراق: يعجزون عن تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، لأن لكل طائفة أو عنصر من عناصر تكوينه دولة أو أكثر ترعاه.. وهكذا فإن ما يرضى واشنطن يغضب إيران والعكس بالعكس.
 وفى سوريا لا تزال أبواب الجحيم مفتوحة أمام هذه الدولة التى كانت، ذات يوم، عنوان الوطنية والعروبة.. فالأمريكيون فى الشرق (دير الزور ومناطق إنتاج النفط)، والأتراك فى الشمال يقاتلون الأكراد من فوق رأس النظام، وإسرائيل تواصل غاراتها بالطيران إلى حد التصادم مع الروس عند الساحل السورى، فإذا تعذر عليها ذلك قصفت إيران فى بعض ضواحى دمشق.

 ولبنان يدخل شهره الخامس بلا حكومة، وتتفاقم مشكلاته السياسية والاقتصادية من دون أى احتمال لانفراد قريب.

 أما اليمن فالحرب فيه وعليه مستمرة.. ولا أحد يدرى إذا كانت المفاوضات الجارية فى السويد ستعيد إلى اليمن سعادته المفقودة.

.. وكل عام وأنتم بخير!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved