زيارة الرئيس للكاتدرائية .. كيف تتحول من الرمز إلى الواقع؟

زياد بهاء الدين
زياد بهاء الدين

آخر تحديث: الثلاثاء 13 يناير 2015 - 7:55 ص بتوقيت القاهرة

شاءت الظروف أن أكون حاضرا لقداس عيد الميلاد مساء الثلاثاء الماضى فى كاتدرائية العباسية وأن أكون شاهدا على الزيارة المفاجئة لرئيس الجمهورية والتى يصح اعتبارها تاريخية، ليس فقط لأنها الأولى من نوعها، وإنما لأنها سوف تكون لسنوات طويلة حدثا يذكره الناس ويتذكرون دلالته.

بالطبع لم أستغرب الترحيب الهائل الذى استقبل به المصلون وضيوفهم السيد الرئيس، بل همست لصديق جالس بجوارى أن كل مسيحى فى مصر، من أوسعهم ثراء حتى أكثرهم تواضعا، سوف يشعر اليوم بفخر واعتزاز كما لو كان الرئيس قد زاره شخصيا فى منزله. والسبب أن الزيارة قد حملت معانى رمزية كثيرة: فقد جاءت لتعبر عن عزم رئيس الجمهورية على أن يكون رئيسا لكل المصريين، وعن تقديره للمساندة التى قدمتها الكنيسة له وللدولة الجديدة وقدمها الأنبا تواضروس برغم نصيحة الكثيرين له بالتروى وعدم إلقاء ثقله بالكامل فى الساحة السياسية، كما أن كلمة الرئيس قد أكدت بوضوح على الوحدة الوطنية ورفض التفرقة بين المسلمين والمسيحيين. ولم يفت الحاضرون والمتابعون على شاشة التليفزيون مقارنة ذلك بسلوك الرئيس السابق الذى لم ينجح فى بناء جسور الثقة والتعاون مع المجتمع المسيحى الذى اعتبره رئيسا لأهله وعشيرته فقط دون باقى المصريين.

لا عجب إذن أن يكون للزيارة هذا الوقع الإيجابى، وأن يعتبرها الكثيرون بداية مرحلة جديدة من التقارب والوئام. ولكن مع تقديرى لقيمة هذه اللفتة وأهميتها فى ظل الظروف الحالية وإدراكى لما تمثله من قيمة رمزية كبيرة، إلا أن الواقع يظل محملا بقضايا شديدة الأهمية والإلحاح مما ينبغى التصدى له إذا كنا نرغب فى تجاوز العمل الرمزى إلى تحقيق نتائج ملموسة.

ونقطة البداية فى تقديرى هى العمل على طى صفحة الماضى وفتح صفحة جديدة من الوحدة والترابط بين المصريين وتضميد جراح لا تزال مفتوحة، الأمر الذى لن يتحقق دون أن تعلن الدولة عن نتائج التحقيقات فى الأحداث الطائفية الكبرى التى شهدتها البلاد خلال السنوات القليلة الماضية وتحدد المسئولين عنها وتتخذ الإجراءات القانونية المناسبة حيالهم وتفى بوعدها فى إصلاح الخسائر التى ترتبت عليها.

هذا عن الماضى. أما عن المستقبل فإن المشاعر النبيلة التى عبر السيد الرئيس عنها خلال زيارته القصيرة لابد وأن تترجم إلى أفعال تحقق المساواة بين المصريين. ويأتى على رأس ذلك إعداد قانون شامل لمنع التمييز فى كل مناحى الحياة بما فيها تقلد الوظائف العامة والمناصب الرسمية، وفرض المساواة فى ظروف وشروط العمل العام والخاص، وكفالة حرية العقيدة وحرية ممارسة الشعائر الدينية، وإصدار قانون ينظم بناء وتجديد دور العبادة، ومنع كل أشكال التهجير القسرى والصلح العرفى حينما يستهدف الطمس على جرائم طائفية، وتطبيق القانون على الجميع دون تفرقة، وإعادة الحياة للمجلس القومى للعدالة والمساواة الذى يرصد حالات التمييز وينبه للتوتر الطائفى قبل وقوعه ويفعل الآليات المدنية لتحقيق التقارب والمودة بين المسلمين والمسيحيين.

كذلك فإن زيارة الرئيس، بكل ما حملته من معانٍ إيجابية بشأن تحقيق المواطنة، إلا أنها لو لم ترتبط بتحقيق انفراجة فى المناخ السياسى والأهلى فإنها سوف تعنى العودة للأسلوب التقليدى الذى عرفته مصر لسنوات طويلة فى إدارة الملف الطائفى، حيث تلتزم الدولة بحماية المسيحيين وحماية كنائسهم وإعطائهم قدرا من التمثيل السياسى والبرلمانى مقابل ولائهم للنظام وانسحابهم من العمل السياسى واعتبار الكنيسة ممثلا دينيا وسياسيا لهم وقبول التنسيق بينها وبين أجهزة الأمن فى كل ما يخص شئون الطائفة. هذا المنطق لم يعد صالحا اليوم بعد أن خرجت الجماهير ــ مسلمين ومسيحيين ــ إلى الشوارع والميادين وقامت بثورتين وصار من حقها التمتع بالمواطنة الكاملة التى تتجاوز مفهوم الحماية الطائفية إلى التمتع بجميع الحقوق السياسية والشخصية دون تمييز أو تقييد.

وأخيرا، فإن اهتمام السيد الرئيس بتحقيق الوئام والتوافق بين طوائف الشعب المصرى بادرة طيبة، ولكن أتمنى ألا تتوقف عندما يخص المسلمين والمسيحيين فقط، بل تتجاوزها للسعى وراء ذات الوئام والتوافق فى صفوف الشعب المنقسم انقساما عميقا بين فلول وثورة، وشباب وشيوخ، وأغنياء ومهمشين، ونساء ورجال، ومدنيين وإسلاميين. مصر ليست بحاجة لكلمات رقيقة حول المحبة والصداقة بين المسلمين والمسيحيين فقط، بل إلى مصالحة وطنية شاملة تزيل من على كاهلها كابوس الانقسام والاقتتال الذى صار قوة هادمة لكل جهود التقدم والتنمية والوفاق.

تحية لقرار الرئيس بزيارة الكنيسة ليلة العيد، ولكن الأمل ألا تكون نهاية المطاف بل بداية تغيير أكبر.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved