إلى «بهاء طاهر» فى عيد ميلاده

إيهاب الملاح
إيهاب الملاح

آخر تحديث: الجمعة 13 يناير 2017 - 10:10 م بتوقيت القاهرة

بالأمس، احتفل الكاتب الكبير النبيل بهاء طاهر، واحتفل محبوه وعشاق أدبه وشخصه، بعيد ميلاده الثانى والثمانين، أمدّ الله فى عمره ومتَّعه بالصحة والعافية. اثنان وثمانون عاما من المحبة والإبداع الجميل والتكريس لنموذج المبدع العكوف على مشروعه، بتأن ودأب وصبر، يتأمل ويرصد بحاسته الفنية المتغيرات والتحولات التى ضربت المجتمع المصرى والعالم العربى منذ منتصف القرن الماضى، ويقطر كل ذلك بعذوبة وسلاسة وتمكن وعمق فى أعماله الروائية والقصصية البديعة.


نجح بهاء طاهر بأعماله ومواقفه الإنسانية الصادقة أن يكرس نموذج «المبدع النبيل»، الباحث عن اللحن الخافت الحزين للواقع المصرى وروحه العميقة، ظل عمره كله يبحث عن سر هذا اللحن ويطارده ونجح فى اقتناصه من خلال ما جادت به قريحته الإبداعية من روايات وقصص قصيرة ومقالات وقراءات فى أعمال إبداعية، صاغت فى مجملها تاريخًا مشرفًا وباهرًا لصاحبها، فى الوقت الذى تلقفها فيه الجمهور والنقاد على السواء بكل الرضا والمحبة والقبول.

 

برصيد ست روايات وخمس مجموعات قصصية، وعدد من الكتب والدراسات فضلا عن الترجمات، احتل بهاء طاهر مساحة ضخمة ومشرفة وراقية فى تاريخ الأدب المصرى المعاصر، صدرت مجموعته القصصية الأولى «الخطوبة» عام 1972، التى كان صدورها حدثا مدويا فى المشهد الأدبى آنذاك، تناولتها الأقلام النقدية بالترحاب، وقال عنها شيوخ النقد ما أكد أن صاحب هذه المجموعة يتميز عن كل أفراد جيله، بأنه ذو روح فنية عالية، وأن له أسلوبه الذى يشى بخصوصية متفردة تنبئ بأن له لغته الخاصة التى ستتحدد وتتبلور فى أعماله التالية.


صحيح أن بهاء طاهر كان يتأنى كثيرا، ويصبر كثيرا خلال الفترة بين صدور عمل والذى يليه، لكنه فى المقابل كان يحوز اهتماما ربما لم يتوافر لغيره لدى صدور عمل من أعماله. وما إن يخرج بهاء طاهر على الساحة الأدبية بعمل جديد حتى يصير «المتنبى» الذى يملأ الدنيا ويشغل الناس، وفى كل مرة يَخرُج فيها برواية جديدة من رواياته أو مجموعاته القصصية، كانت تلقى ما تستحقه من تقدير وتكريم القراء والنقاد على السواء.


حينما استهل بهاء طاهر مشروعه الروائى بـ«شرق النخيل» عام 1983 (كان على مشارف الخمسين من عمره)، كانت روايته الأولى ناضجة، واضحة المعالم، رواية مكتملة الأركان، محددة الرؤية، وبدا منذ «شرق النخيل» و«قالت ضحى» و«خالتى صفية والدير»، ثم «الحب فى المنفى» 1995، و«نقطة النور»، و«واحة الغروب» 2006 أن انشغالاته الأصيلة وأسئلته الجوهرية تدور حول تيمات وموضوعات إنسانية عامة تحوى فى طبقاتها وتكويناتها الهم الوطنى والقومى والعروبى أيضا.


إشكاليات تبلورت حول التحولات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التى ضربت المجتمع المصرى وانعكاساتها لأكثر من نصف قرن (شرق النخيل وقالت ضحى ونقطة النور)، علاقة المثقف بالسلطة فى ضوء انهيار الحلم الناصرى وما تلاه (الحب فى المنفى، العلاقة بين الشرق والغرب فى توتراتها وصراعاتها وتناقضاتها الأشمل والأكبر (واحة الغروب وأنا الملك جئت).


قراءة عميقة لمدونة روايات بهاء طاهر تؤكد أنها رواية عابرة للثقافات والأجناس والأديان واللغات؛ لأنها تلغى ببساطة كل هذه الفواصل بين شخوصها القلقة، لا يهتم مؤلفها سوى بالنفاذ إلى أعماقهم بحثا عن الواحة والصحراء، المرفأ والمستقر، داخل النفوس والقلوب، مثلما بحث عنها فى المكان والجغرافيا، وفوق الخرائط المنسية، كل ذلك من خلال عين قرأت وشاهدت وتعذبت، وروح تعبر أيضا عن عقل اختزن تجارب الإنسان وتاريخه وأساطيره وانكساراته وانتصاراته، هناك استمتاع بالحكى مثل الحكائين القدامى، ولكن هناك أيضا محاولة أعمق لاكتشاف الإنسان، يتحول القص لدى بهاء طاهر إلى موقف وشهادة ووجهة نظر، كما كتب عنه محمود عبدالشكور فى دراسته البديعة عن «واحة الغروب».


استحق بهاء طاهر ما قاله عنه كبار النقاد حينما وصفوا كتاباته بأنها «من هذه الكتابات الهامسة التى تنساب إليك فى هدوء آسر بليغ، وتربت على مشاعرك فى نعومة ورقة مهما بلغت حدتها الدرامية وعمقها الدلالى. إنه قصاص شاعر متصوف تفيض شاعريته وصوفيته برؤية إنسانية حارة»، كما قال عنه الراحل محمود أمين العالم.


وهو أيضا «كاتب واضح مسيطر على مادته وأدواته. جديد فى رؤيته ومتفرد فى نوع أدائه. الصدق هو النبرة الأولى التى تصافحك فى سطوره، والتوازن الموضوعى هو العلامة الواضحة التى يقيم عليها بناء نصوصه»، كما كتب عنه ذات مرة علاء الديب. وقبلهما كتب على الراعى عنه «لا يقنع بهاء طاهر. لا يريد أن يقنع. تذهب معه إلى مجموعته «ذهبت إلى شلال» طلبًا للقصة، فإذا القصة باقة من الشعر الجميل».
كل عام وأنت بخير تشع فرحا ونبلا وإبداعا، كاتبنا الكبير بهاء طاهر.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved