سوريا تحت المجهر

سيد ابو زيد عمر
سيد ابو زيد عمر

آخر تحديث: الأحد 13 يناير 2019 - 9:15 م بتوقيت القاهرة

لو ألقيت حجرا فى بحيرة مياه راكدة، فمن الطبيعى أن يصنع دائرة تتسع باضطراد فى دوائر أكبر، فما بالك وقد ألقيت عددا من الأحجار، والبحيرة أساسا مياهها غير راكدة تحركها الأنواء على مدى سبع سنوات ماضية. هذه هى حال سوريا فى الأسابيع الأخيرة، إذ تشهد المسألة السورية تطورات مهمة تستحق المتابعة والتقويم، فقد تنجح فى إنهاء هذه المأساة لترفع عن كاهل الشعب السورى الشقيق كل هذه المعاناة غير الإنسانية، أو أن تفشل فى أن تحقق أى تقدم وتستمر الأزمة السورية فى نفس الدوامة التى عصفت بها خلال السنوات الماضية.
أخذت العديد من العواصم العربية تتحرك وتتحدث بإيجابية عن وجوب تفعيل علاقاتها مع دمشق الأسد، وضرورة عودة العلاقات الدبلوماسية، وشغل سوريا لمقعدها فى الجامعة، وأنه يكفى ما لحق بسوريا من دمار وما نزف من دماء، وأنه واجب إنسانى أن يجمع شتات قسم كبير من الشعب السورى الذين تفرقوا كلاجئين فى معسكرات الإيواء ونازحين حتى فى وطنهم فى ظروف معيشية ومناخية لا إنسانية. وأهم من ذلك أن سوريا وهى من مؤسسى جامعة الدول العربية، وأحد المنصات التاريخية للفكر القومى، وكانت أحد أطراف ثلاثة (مصر وسوريا والسعودية) الضابطة لإيقاع العمل العربى المشترك. ليس بالهين أن تظل غائبة عنه، فضلا عن أن سوريا ما زالت تتمتع بالعضوية الكاملة للأمم المتحدة. والمعتقد أن المتغيرات الأخيرة فى الموقف بين العواصم العربية تعود أساسا إلى صمود النظام السورى طوال السنوات السبع الماضية بدعم روسى إيرانى ضد محاولات إسقاطه، وتغير مواقف الدول العربية التى كانت ترى غياب الأسد شرطا يسبق أى تسوية، وبعد أن تكشف لهذه الدول الغياب العربى الكامل عن الملف السورى، ووضح لها ضعف المعارضة السورية إزاء انقساماتها وفشلها فى توحيد موقفها.
***
والأهم من ذلك أن الولايات المتحدة بينت بوضوح بأنها تتعاون على الساحة السورية لضرب الإرهاب ومواجهة الوجود الإيرانى ومخاطره على إسرائيل، وليس العمل على إسقاط النظام السورى.
وهنا يطرح السؤال نفسه، عما إذا كان الوقت قد حان لاتخاذ العرب قرارا بعودة سوريا لشغل مقعدها فى الجامعة العربية، خاصة وأن هذا الاستحقاق يمكن وضعه موضع التنفيذ لو رغبوا فى اجتماعات عربية وشيكة عالية المستوى، فى مقدمتها القمة العربية التنموية الاقتصادية فى بيروت يومى 19ــ 20 يناير المقبل، والقمة العربية العادية فى تونس فى شهر مارس القادم، وتسبقها عادة اجتماعات على المستوى الوزارى. علما أن قرار تعليق مشاركة النظام السورى فى اجتماعات الجامعة وسحب السفراء العرب من دمشق قد اتخذ على المستوى الوزارى يوم 12ــ11ــ2011، وقد تكون القمة التنموية فرصة للتشاور بين رؤساء الوفود حول العودة السورية للجامعة، وتمهيد الموقف لبحثه نهائيا فى القمة المقبلة العادية. وأعتقد أن العودة أصبحت ضرورة حتمية فى نهاية المطاف، لمحاولة إيجاد توازن مع الوجود الإيرانى المتنامى فى المنطقة عموما. وقد يكون من الصعب مطالبة سوريا بفك علاقاتها الوثيقة مع إيران، تلك العلاقات التى استمرت منذ بداية الثمانينيات وازدادت قوة بمعارضة سوريا للحرب العراقية ضد إيران، ولكن قد يمكن التوصل مع النظام السورى إلى تفاهم حول حدود الدور الإيرانى. ويمكن لسوريا أن تلعب دورا فى التهدئة بين الجبهتين السنية والشيعية المتصارعتين فى المنطقة، الأمر الذى يمكن أن يسهل الوصول لحلول سلمية للأزمات الدموية فى المنطقة وبصفة خاصة اليمن، ومحاولة إقناع إيران بوقف التدخل فى الشئون الداخلية للدول العربية.
والعودة إلى المقعد السورى بالجامعة لا تعنى نهاية المطاف، فسوف يوضع أمام بقية الأعضاء بالجامعة المشكلات المعلقة الضخمة التى ترتبت على الغياب السورى والحرب بين الفرقاء التى أحرقت الأخضر واليابس، وتتمثل فى إعمار ما تهدم خلال الحرب وتقدر تكاليفه بـ 300 مليار دولار. وإعادة ملايين اللاجئين والنازحين من الدول المجاورة إلى بيوتهم، وتأهيلهم معيشيا ووظيفيا، واستكمال جهود التسوية السياسية، إذ إن النظام قد يعتبر عودته للجامعة بمثابة إغلاق لملف مشكلاته السياسية، وهو الأمر الذى يستحق أن يجرى الحوار بشأنه مع النظام السورى للنظر فى المطالب المتعلقة بتقليص صلاحيات الرئيس السورى ووضع الأسس الصحيحة لنظام ديموقراطى فى سوريا يتيح المشاركة للجميع.
***
جدير بالإشارة أن الرئيس الأمريكى ترامب أطلق تغريدة على تويتر يوم 19 ديسمبر الماضى عبر فيها عن عزمه سحب القوات الأمريكية الموجودة فى سوريا خلال شهر بعد انتصاره على مسلحى الدولة الإسلامية (داعش)، وكان هذا القرار مفاجأة فى مختلف الدوائر فى الداخل والخارج، وكان وقعه كبيرا لدى المعنيين بهذا القرار فى واشنطن وأدى إلى تقديم وزير الدفاع استقالته من منصبه، وأبدت دوائر الكونجرس عدم ارتياحها لاستقالة وزير الدفاع الذى اعتبره البعض بأنه أخر الحكماء فى الإدارة، وأبدى حلفاء أمريكا قى سوريا امتعاضهم من انفراد ترامب بالقرار دون التشاور معهم، واعتبره البعض موقفا انهزاميا أمام الهيمنة الروسية الإيرانية على الملف السورى، وأن القرار ينضم إلى العديد من المواقف الذى اتخذها ترامب متخليا عن مواقف جماعية متفق عليها. واعتبر الأكراد الانسحاب الأمريكى طعنة لهم فى الظهر، تضعهم فى مواجهة مباشرة مع القوات التركية. ولم تخف إسرائيل عدم ارتياحها، وأعلنت أن اعتبار داعش العدو الرئيسى يعنى تجاهل خطير للوجود الإيرانى وما يمثله من تهديد لإسرائيل والمنطقة كلها. وإزاء ذلك تراجع ترامب عن المدى الزمنى الذى كان قد أعلنه للانسحاب بحيث يتم تدريجيا وببطىء. والمعتقد أنه سيتم نقل هذه القوة إلى معسكرات فى العراق، أو ينتهى الأمر ببقائها فى مواقعها.
والمعتقد أن دوافع ترامب لاتخاذ مثل هذا القرار تبدأ باعتقاده أن هذا يؤدى إلى خفض النفقات، رغم أن القوة محدودة، وسوف تستمر نفقاتها إذا ما نقلت للعراق. وأنه بذلك يتجنب حدوث خسائر فى أرواح الجنود الأمريكيين العاملين فى ضوء احتمال حدوث اشتباكات تركية كردية واسعة فى المنطقة. وأن هذا التحرك يتيح له الفرصة لمزيد من الابتزاز لشركائه أصحاب المصلحة فى بقاء هذه القوات. واعتقاده بأن داعش قد انتهت، متجاهلا وجود آلاف من عناصرهم فى المنطقة يقومون بعمليات بين الحين والأخر. وأن انسحابه لن يخل بأمن إسرائيل القادرة على التعامل مع التحديات المحيطة بها. وأن هذا الانسحاب لن يخل بالمصالح الأمريكية الحيوية. ولا يعنى بأى حال انتصارا لروسيا وإيران.
غير أنه فى واقع الأمر رغم محدودية عدد القوات الأمريكية (نحو ألفين) فقد كان ينظر إلى الوجود العسكرى الأمريكى فى شرق الفرات ومنبج والتنف بأنه يوفر بعض التوازن ــ ولو رمزيا ــ مع الوجود الروسى فى سوريا، ويحد من التدفق الإيرانى وتمدده، ويعتبر شبكة أمان ودعم لوحدات حماية الشعب الكردى التابعة للقوات السورية الديمقراطية (قسد)، والتى قامت بالدور الأساسى فى مواجهة مقاتلى الدولة الإسلامية (داعش) شمال شرق سوريا، إذ يرى الأكراد أهمية الوجود العسكرى الأمريكى ولو بصورته المحدودة كعامل ردع للقوات التركية عن مهاجمتهم، وعامل ضغط يحول دون نظام الأسد من اجتياح المنطقة بعد أن نجح النظام فى استعادة أغلب الأراضى الأخرى. والوجود الأمريكى على الأرض السورية يؤكد على صيغة جنيف بعد أن خفتت إزاء تركيز روسيا وتجاوب كل من إيران وتركيا على صيغة الأستانة فى السعى نحو إيجاد حل سياسى للأزمة السورية.
***
ويرجح البعض أن الدافع الأساسى لهذا القرار أن ترامب لا يجد دورا للولايات المتحدة فى الملف السورى، يستحق أن يوجود من أجله، فى الوقت الذى تتجه فيه الاستراتيجية الأمريكية نحو الشرق ولا يعنى صدور هذا القرار غيابا أمريكيا عن المنطقة، فليس من المعتقد تخليها عن مصالحها الحيوية فيها، فلديها فى المنطقة وجود عسكرى كاف لمواجهة كل الاحتمالات، بالإضافة إلى تحالفاتها مع دول المنطقة.
ويلاحظ بهذه المناسبة توجه وحدات من الحشد الشعبى الشيعية العراقية إلى الحدود السورية، بحجة انتظار الانسحاب الأمريكى لملأ الفراغ فى المناطق التى يتم الانسحاب منها. ويعتقد البعض أن تحرك هذه الوحدات إنما يستهدف تقديم الدعم إلى قوات إيرانية تعتزم الانتشار شرق الفرات بعد إتمام الانسحاب الأمريكى. وصرح «قيس الخزعلى» زعيم ميليشيا عصائب أهل الحق أن ثمة تنسيق يجرى مع إيران للتعامل مع المعطيات الجديدة وكشف عن دور جديد ستقوم به هذه الميليشيا فى سوريا.
مساعد وزير الخارجية السابق

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved