سوريا.. توازنات مستحيلة

مواقع عربية
مواقع عربية

آخر تحديث: الأحد 13 يناير 2019 - 9:05 م بتوقيت القاهرة

نشر موقع السفير العربى مقالا للكاتبة «نهلة الشهال» تتناول فيه الصراع فى سوريا وعليها، حيت تتصارع العديد من الدول لفرض سيطرتها ونفوذها على سوريا، وتصريحات مستشار الرئيس الأمريكى للأمن القومى بخصوص الانسحاب من سوريا وردود الفعل التركية عليها.

ليس ما يجرى اليوم هو «الصراع على سوريا» كما كتب منذ عقود وباستفاضة، ولا حتى «الصراع على السلطة فى سوريا» الذى كتب عنه كثيرا هو الآخر.. بل هو صراع إقليمى ودولى يتخذ من سوريا ميدانا له، أو منصة انطلاق. يحدث ذلك بحكم التفكك الذى طال البلاد طوال سنوات الحرب الأخيرة، وأيضا بحكم استجابتها «البنيوية» لمثل هذه التجاذبات، كمكان امتاز دوما بـ«رخاوة» أصلية فى التشكل، جرت لملمتها بالقوة أحيانا، وبالتحايل عليها فى أحيان أخرى..
وإن كان قد ولى زمن التناحر القديم بين قطبى دمشق وحلب على الزعامة أو الاستقلال (وبينهما حمص) فلا يمكن تفسير مقدار «السيولة» التى طبعت هذه الحرب الأخيرة (ومنها أن نصف مواطنى البلد قد نزحوا من بيوتهم ومناطقهم، وأن تشكيلات المعارضة المسلحة ومجموعاتها قد جاوزت المئات..) بالركون فحسب إلى فظاعة السلطة الاستبدادية، وإلى شراسة التدخلات الإقليمية والدولية على الأرض، وهما فعليان. بل لا بد أيضا من استحضار عناصر تلك الخاصية وقدرتها المستمرة على الفعل.
***
وبهذا المعنى، فلعل تلك الصراعات الدولية الغابرة على سوريا أو على سلطتها، ليست مناقضة بالعمق لمنطق ما نشهده اليوم. فبينهما، كمشترك، إمكان استخدام المنصة السورية لأغراض النفوذ بخصوص ما يتعداها. وإنما تغيرت الشروط فى العالم وفى الإقليم. فها هى الولايات المتحدة تفاوض تركيا على عناصر سلوكها فى سوريا لو سحبت واشنطن قواتها منها، بل ويقول مستشار الرئيس الأمريكى للأمن القومى أنه لا خطة انسحاب ولا جدول له قبل خضوع تركيا لشرطى عدم المساس بالأكراد، والالتزام بتنسيق مسبق وكامل مع واشنطن قبل أى تدخل ميدانى فى سوريا، بينما كان الرئيس ترامب نفسه قد قال لأردوغان قبل أقل من شهر «حسنا، هى كلها لك، فسكر الأخير وصدق. وحين استفاق على تصريحات بولتون من إسرائيل، قبل ساعات من وصوله إلى تركيا، أصيب بخيبة كبيرة دفعته إلى إلغاء لقائه بالمسئول الأمريكى، وإلى اعتباره «قد أخطأ»، وإلى التصريح بأن هناك «تناقضات» فى السياسة الأمريكية، وأن هناك من «شوش على الاتفاق الشفاف» مع ترامب.. ثم أعقبت ذلك تصريحات بومبيو، وزير الخارجية الأمريكى الذى يزور ثمانى دول عربية هذه الأيام، إذ يبدو مما قال فى مصر، حيث افتتحها ــفزيارة العراق كانت خاطفة وأقرب إلى غير الرسميةــ أن واشنطن تبحث عن تنسيق استراتيجى يخص المنطقة، وهو تنسيق تقع إسرائيل فى القلب منه، وفى جانبه الإيجابى بالطبع، بينما هو موجه ضد إيران.. وضد تركيا!
ارتفعت نبرة ردة الفعل التركية، فراح وزير خارجيتها داوود جاويش أوغلو يهدد قائلا إنهم «حاسمون على الطاولة وعلى الأرض»، وأنهم «سيستعيدون خطة الهجوم» على منبج ومناطق الشمال الشرقى من سوريا «بغض النظر عن الأمريكان»، وأن «قوات حماية الشعب» الكردية منظمة إرهابية و«من غير اللائق» أن تكون حليفة الولايات المتحدة، وأن تأخير الانسحاب الأمريكى «يجرى بذرائع مختلقة»، بل وأن «تركيا لا تطلب إذنا من أحد»! ومع أن بولتون وبومبيو هما ألد أعداء طهران فى الإدارة الأمريكية، إلا أن الاشتباك هنا يجرى مع أنقرة. وهذه حليفة واشنطن التاريخية فى المنطقة والعضو الفعال فى حلف الناتو حيث كانت مهمتها تسهيل مراقبة روسيا وإزعاجها.
***
وروسيا هذه ــ التى لم تعد الاتحاد السوفيتى، إلا أن الأيديولوجيا تبدو ضعيفة الشأن فى الاعتبار هنا ــ تسرح وتمرح فى سوريا، وهى التى حسمت وبشكل فعلى اتجاه الأمور فيها، وهى تشرف على مفاوضات (أستانة) وصلت إلى حد الإعداد للدستور الجديد لسوريا، وتملك قواعد عسكرية متنوعة فى البلاد، ويتجه إليها الأكراد (قوات سوريا الديمقراطية منذ أيام) والأتراك (أردوغان بعد أيام) للتفاهم على شئون سوريا وعلى أوضاعهم فيها. مع أن هناك تفارقا يصعب تصور كيفية التعامل معه فى هذا الشأن. فالأول راحوا ليعرضوا على موسكو خطتهم لتسليم مناطقهم للنظام السورى على أن تحكم بشكل لا مركزى وبالاشتراك بين دمشق و«الإدارة الذاتية» التى أنشأوها هناك، وأن يتم استيعاب مسلحيهم فى الجيش النظامى (وأن تعتبر الكردية لغة البلاد الثانية تيمنا بالعراق الذى أقر ذلك منذ عقود)، وأن تضمن موسكو (كـ«قوة عظمى» موجودة فى الميدان، على ما قالوا) عدم تغول أحد عليهم: لا السلطة فى دمشق ولا الأتراك الذين يريدون تصفيتهم. وأردوغان سيعاود محاولة إقناع روسيا بمنحه منطقة عازلة بعمق 20 إلى 30 كيلومترا فى شمال شرقى سوريا وبالسماح له بغطاء جوى كامل فيها. وسيصعب التوفيق بين الحلين والطموحين، ونوايا الطرفين.
وهكذا، ومن زاوية أخرى، تبدو روسيا، التى حققت مكاسب كبيرة فى سوريا والمنطقة أخيرا، أمام مفارقات يصعب تصور كيفية تدبرها لها بلا توترات، بينما الولايات المتحدة الأمريكية غارقة فيها. والدول الإقليمية كلها، على الخلافات بينها، تتلاطم وسط المعمعة.
النص الأصلى:  من هنا

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved