إطلاق البورصة السلعية

مدحت نافع
مدحت نافع

آخر تحديث: الثلاثاء 14 يناير 2020 - 11:36 ص بتوقيت القاهرة

أعلنت اللجنة الوزارية الاقتصادية الموافقة عن إنشاء شركة متخصصة للبورصات السلعية الحاضرة باسم «البورصة المصرية للسلع»، الأمر الذى أسعدنى كثيرا وشعرت أنه جاء تتويجا لجهود ودراسات كثيرة ممتدة من عام 2004 تقريبا واستجابة لنداءات متعددة أذكر منها لقارئ هذه المساحة تحديدا مقالا لى فى 7 يناير 2019 بعنوان «البورصات السلعية حديث متجدد» أثنيت فيه على تصريحات رئيس البورصة وذكرت عبره النماذج والهياكل التنظيمية والشراكات التى كنت قد عرضتها على وزير التموين والتجارة الداخلية الأسبق الدكتور خالد حنفى وتبناها مشكورا للعرض على القيادة السياسية فى إبريل 2014.
وقبل أن نغادر الاسم المقترح للبورصة السلعية الوليدة، أرجو أن نتفادى زلة وقعنا فيها بالتحوّل عام 2009 من الاسم القديم لبورصة الأوراق المالية من «بورصتى القاهرة والإسكندرية» إلى «البورصة المصرية» وليس «بورصة مصر» وتلك لطيفة مهمة فى الترجمة وفى التسويق، وخلط أصاب الكثيرين من زملاء المهنة فى البورصات حول العالم لدى مشاركتنا فى المؤتمرات والمحافل إذ إنهم عادة ما يميلون إلى تسمية بورصتنا تلقائيا وبالقياس على البورصات الكبرى «بورصة مصر» Egypt Exchange وليس البورصة المصرية كما أنهم لا يسمون بورصة لندن بالبورصة اللندنية أو بورصة طوكيو بالبورصة اليابانية.. فضلا عن تفضيل تسمية البورصة باسم المدينة لا الدولة حتى ولو من باب إفساح المجال مستقبلا لدخول بورصات أخرى على أرض مصر. بالطبع هناك استثناءات غير معنوية مثل البورصة الأمريكية والتى لا تحظى أبدا بنصف شهرة وحجم تداول بورصة نيويورك للأوراق المالية و«شكاجو» للسلع.. باختصار وتقديرا لأهمية الاسم والهوية المؤسسية يجب أن تحمل الشركة الجديدة اسم «بورصة مصر للسلع» أو «بورصة القاهرة للسلع» أما إذا أردنا ترجمة صحيحة لكلمة commodity فعلينا أن نضيف إلى كلمة السلع كلمة «الخدمات».
***
الملفت فى قرار الموافقة على إنشاء البورصة الجديدة أنها مازالت مقدمة من وزارة التموين والتجارة الداخلية ما أغرى بى بتتبع النموذج الذى سوف تتبناه وهيكل الملكية المقترح عساه يكون قد استرشد بالورقة التى عكفت عليها وأحد زملائى منذ نحو ست سنوات. الحقيقة أن التفاصيل مازالت غير معلنة، وحتى لا نستبقها افتراضا فسوف نعرض هنا ــ كدأبنا ــ بعض اللمحات التى يمكن أن تساعد متخذ القرار على تقديم أفضل ما يمكن فى إطلاق هذا الكيان الذى كانت مصر رائدة له فى القرن التاسع عشر، وكانت بورصة الإسكندرية الأشهر فى العالم فى تداول عقود القطن، واكتسبت ميناء البصل شهرة لوجستية عالمية فى تداول السلع.
الشركة الجديدة ــ خلافا لما اقترحت فى ورقتى ومقالاتى ــ تقوم دون شراكة مع بورصة سلعية عبر الحدود. وكانت بورصة «وارسو» مؤهلة ومتحمّسة لتلك الشراكة، وهى من حيث حجم التعاملات مناسبة لتأسيس شركة مساهمة مع البورصة المصرية لتداول «عقود» السلع والخدمات، نظرا لكون البورصات الكبرى مثل بورصة «شيكاغو» قد بلغ حجم العقود التى يتم تداولها فى منصتها بنهاية عام 2013 نحو 3 مليارات عقد، بقيمة تقدر بمتوسط نحو مليون مليار (كوادريليون) دولار أمريكى سنويا! أى أن رأس المال المقترح لتأسيس بورصتنا الجديدة وهو 100 مليون جم (أى نحو 6.25 مليون دولار) لن يساوى قيمة عقد واحد يتم تداوله فى جلسة على الأرجح!. الأمر الذى لن يجعل الشراكة معنا مجدية. اقترحت أيضا وكما ورد بالمقال المشار إليه أعلاه: «ولأسباب اقتصادية وسياسية، تظل أقرب بورصة سلعية لمصر من حيث فرص التكامل والمشاركة هى بورصة إثيوبيا للسلع، وهى بورصة حاضرة نشطة تأسست فى إبريل 2008 بهدف تطوير سوق السلع الأساسية بما يكفل حماية أطراف عمليات البيع والشراء، وتم إنشاؤها كشركة خاصة مملوكة للحكومة الإثيوبية، وأعضاء البورصة والبنوك. وفى عام 2013 بلغ عدد مخازنها 57 مخزنا فى 17 موقعا جغرافيا، وشهدت كمية السلع المتداولة ارتفاعا من نحو 47.7 مليون طن عام 2008 إلى نحو 601 مليون طن عام 2012، وسجلت قيمة العقود المتداولة نحو 1.1 مليار دولار بنهاية عام 2011. وتعتمد بورصة إثيوبيا للسلع فى التداول على السلع الزراعية فقط وهى أساسا القهوة، وبذور السمسم، والذرة، والقمح. كما تعتمد بورصة إثيوبيا للسلع على بنية تكنولوجية تم تطويرها محليا، بهدف زيادة العمليات المنفذة، وضمان حماية البيانات، كما توفر البنية التكنولوجية بيانات الأسعار اللحظية فى 32 موقعا ريفيا على شاشات الأسعار، بالإضافة إلى الأسعار اللحظية على موقع البورصة الإلكترونى وخدمة الأسعار اللحظية بأجهزة المحمول والتى وصل بها مشتركو الخدمة عام 2011 إلى نحو 256 ألف مشترك، كما توفر الأسعار من خلال محطات الإذاعة المحلية والتليفزيونية».
الدخول فى شراكات واندماجات بين البورصات لم يعد خيارا، بل هو مسلك جماعى للبورصات الكبرى فى سوق شديدة التنافسية. بورصة شيكاغو للسلع وهى أقدم البورصات السلعية على مستوى العالم، حيث تم إنشاؤها عام 1848 تحت مسمى هيئة شيكاغو للتجارة، شهدت تطورا كبيرا فى حجم السوق وآليات العمل والسلع محل التداول، وأبرمت العديد من عقود الشراكة والاندماج مع بورصات Chicago Board of Trade فى 2006، وNew York Mercantile Exchange NYMEX عام 2008. كذلك تعد بورصة يوروكس Eurex إحدى كبرى بورصات العقود والمشتقات على مستوى العالم، وتتكون المجموعة من ISE والتى تم الاستحواذ عليها عام 2007 بهدف زيادة قدرة المجموعة على المنافسة العالمية، وشركة المقاصة، ومنصة السندات، ومنصة إعادة الشراء. وهو ما ساهم فى زيادة قدرة المجموعة على المنافسة عالميا حيث بلغ حجم العقود التى يتم تداولها بالبورصة بنهاية عام 2013 نحو 2.2 مليار عقد.
على المستوى الإقليمى تأسست بورصة دبى للذهب والسلع فى عام 2005 كأول بورصة لتبادل مشتقات السلع فى منطقة الخليج العربى. أما عن هيكل ملكية بورصة دبى للذهب والسلع فحصة الأغلبية استحوذ عليها مركز دبى للسلع المتعددة. وبالنسبة للمنتجات المتداولة فى بورصة دبى للذهب والسلع فتشمل المعادن النفيسة، والمعادن الأساسية، وعقود العملات، وعقود البتروكيماويات، وعقود المؤشرات، وتتم التسوية باستخدام آليات الطرف المشترك فى عملية التسوية من خلال شركة دبى لمقاصة السلع، وتقدم شركة دبى لمقاصة السلع «ضمان تسوية» لجميع المعاملات. لكن البورصة مازالت تعانى من الضعف النسبى لحجم التعاملات رغم مرور خمسة عشر عاما على إطلاقها، وربما كان هيكل ملكيتها السبب المباشر فى ذلك.
***
معنى أن تكون البورصة السلعية مقتصرة على كونها «حاضرة» spot market فهذا يخرج البورصة المصرية وشركة المقاصة من الصورة، نظرا لأن الأوراق المالية التى يمكن تداولها عبر منظمة سوق المال ينبغى أن تكون عقود الخيارات والعقود المستقبلية فى السوق المنظمة، والعقود الآجلة خارج المقصورة. أما العقود المقترنة بالسوق الحاضرة فليس لها سوق ثانوية تذكر! وعادة ما تقوم على التسليم المادى للسلع محل التعاقد physical delivery وهى الحلقة الأكثر تعقيدا فى سلسلة بورصات السلع، كونها تتطلب أولا ضبطا شديدا لمنظومة التخزين والنقل والتسعير، بينما فضلت بعض البورصات السلعية على تداول العقود فقط وفصل نفسها تماما عن عمليات التسليم المادى. وهنا أعود مجددا لمقال العام الماضى مقتبسا منه ما يلى: «تتعدد صور هيكل الملكية للبورصات، فقد تنشأ البورصة فى صورة كيان مؤسسى حكومى شبه ذاتى التنظيم كالذى تقوم عليه بورصة الأوراق المالية المصرية حاليا، أو بورصة خاصة استنادا إلى أحكام الباب الرابع من قانون سوق رأس المال الصادر برقم 95 لسنة 1992، أو شركة مساهمة مصرية بدون شراكة مع بورصات أجنبية، أو كيان/شركة تضم شركاء من بورصات إقليمية ودولية، مع ضرورة بيان وضع أنشطة المقاصة والتسوية فى النموذج المختار. ويقترح أن يتم إنشاء سوق حاضرة مركزية كشبكة بين البورصات السلعية الإقليمية فى المحافظات. ويراعى فى هذا البديل تطوير البورصات السلعية فى المحافظات وربطها بشبكة اتصال متطورة لإقامة سوق مركزية للتداول العاجل للسلع، ثم يتطور ليشمل العقود الآجلة والمؤشرات وغيرها من منتجات مالية. هذا النموذج يشبه النموذج البولندى والنموذج التركى ومن مميزاته: الاستفادة من البنية القائمة للبورصات السلعية فى المحافظات وتعظيم اللامركزية واتساع السوق محليا وإقليميا. وبالنسبة لاختيار المنتجات المزمع تداولها: فيتعين تحديد أهم وأنسب المنتجات التى تصلح للتداول فى البورصة وفقا لجدول زمنى يبدأ ــ مثلا ــ بتداول البضائع الحاضرة ثم يتسع ليسمح بتداول المؤشرات السلعية والعقود المستقبلية ثم الخيارات. كما يتم الوقوف على أهم المنتجات السلعية القابلة للتداول بالبورصة والتى يراعى فى المقام الأول انخفاض قابليتها للتلف عند التخزين مثل القطن والبطاطس والأرز والقمح والذرة والسكر. ومن المنتجات غير الزراعية: الغاز الطبيعى والزيت الخام والأسمنت والأسمدة والمعادن.. تجدر الإشارة إلى أن نشاط البورصة السلعية غير موقوف على مدى وفرة تلك السلع بدولة البورصة ومن أمثلة ذلك بورصة سنغافورة التى تتداول عقد زيت النخيل الماليزى بأحجام تداول وكفاءة أعلى من البورصة الماليزية نفسها».
وللحديث بقية..

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved