توقعات نمو النفط الصخرى الأمريكى

وليد خدوري
وليد خدوري

آخر تحديث: الإثنين 13 يناير 2020 - 10:45 م بتوقيت القاهرة

برزت أهمية النفط الصخرى الأمريكى عند بدء زيادة انتاجه السريع فى منتصف هذا العقد (حوالى عام 2014). ونظرا لحداثة هذا النفط غير التقليدى، الذى يتم انتاجه بواسطة ضغط المياه الممزوجة بالكيماويات التى تكسر الصخور، ومن ثم الحصول على النفط والغاز المتسرب من داخل هذه الصخور، لم تعر كبرى الشركات النفطية العالمية، وبالذات الأمريكية منها، الأهمية اللازمة لصناعة النفط الجديدة فى بادئ الأمر. فالشركات التى استثمرت بكثافة فى هذه الصناعة الحديثة، هى شركات صغيرة جدا، مؤلفة من عدد محدود من الجيولوجيين الذين اقترضوا مئات الملايين من الدولارات من المصارف الأمريكية. وقدمت لهم المصارف والمؤسسات المالية الأمريكية القروض اللازمة، متوقعة أن تحقق هذه الشركات الفتية أرباحا عالية، لأن أسعار النفط كانت تشارف فى حينه حوالى 100 دولار للبرميل، بينما تراوحت تكاليف إنتاج النفط الصخرى أقل من 50 دولارا للبرميل، مما حقق أرباحا عالية لهذه الشركات.
أهملت كذلك الأقطار الأعضاء فى منظمة الأوبك أهمية النفط الصخرى على صناعة النفط العالمية وإمكانية منافسته الصناعة التقليدية التى تجاوز عمرها القرن من الزمن. وتركزت الأنظار فى بادئ الأمر على الآثار السلبية لإنتاج النفط الصخرى، بالذات تسرب المياه الضخمة الممزوجة بالكيماويات إلى الأحواض الجوفية للمياه التى تستعمل فى الشرب والزراعة. وقد غض النظر عن هذا العامل السلبى فى إدارة الرئيس ترامب البيئية.
***
أدى الإنتاج العالى والسريع للنفط الصخرى الأمريكى إلى إغراق الأسواق بالإمدادات النفطية فانخفض سعر برميل النفط الخام فى الأسواق العالمية خلال أسابيع محدودة خلال الأعوام 2014 ــ 2016 من نحو 100 دولار إلى أقل من 30 دولارا للبرميل. وتوقع البعض أن يتقلص إنتاج النفط الصخرى بانخفاض سعر النفط الخام. إلا أن الذى حصل هو تمكن الشركات من تخفيض كلف الإنتاج باستعمال تقنيات جديدة ذات كلف أقل. واهتمت بعض الشركات النفطية الأجنبية غير الأمريكية بهذه الصناعة الجديدة فاشترت الشركات الصغيرة التى بدأت مسيرة إنتاج النفط الصخرى. ثم بدأت الشركات الأمريكية النفطية العملاقة تبدى اهتماما بالصناعة هذه، فبدأت تساهم هى بدورها فى اكتشاف وإنتاج النفط الصخرى فى الولايات المتحدة حيث أخذت تلعب دورا مهما فيها.
تكمن أهمية النفط الصخرى فى سرعة زيادة إنتاجه مقارنة بالنفط التقليدى. فعلى سبيل المثال، اكتشف النفط فى العراق (ثانى أكبر دولة منتجة فى الأوبك) فى عام 1927 وتبلغ الطاقة الإنتاجية الحالية للعراق نحو 5 ملايين برميل يوميا، مع العلم أن المؤشرات المتوفرة تدل على إمكانية مضاعفة هذه الطاقة الإنتاجية. هذا، بينما لا تزال صناعة النفط الصخرى الأمريكية فى عقدها الأول وبلغ معدل الإنتاج حوالى 6.5 مليون برميل يوميا فى عام 2018، وتقدر إدارة معلومات الطاقة الأمريكية (التابعة لوزارة الطاقة) فى تقريرها السنوى لعام 2019 أن يستمر الإنتاج فى ازدياد ليصل حوالى 10 ملايين برميل يوميا عام 2030 وليشكل نحو 60 بالمائة لمجمل الإنتاج النفطى الأمريكى (كلا من النفط التقليدى والصخرى). يكمن السبب الرئيس فى زيادة الإنتاج هو تقليص تكاليف الإنتاج بتحسين وتقليص تكاليف التقنية المستعملة.
***
تقود صناعة تطوير النفط الصخرى مسيرة صناعة النفط الأمريكية، وكذلك صناعة الغاز. فالاكتشافات ضخمة فى القطاعين. وبادرت واشنطن إلى إلغاء الحظر الذى كانت قد فرضته على الصادرات النفطية والغازية فى أوائل عقد السبعينيات من القرن الماضى، فأخذت تسمح الآن بهذه الصادرات. ومما ساعد على توسع انتشار النفط الصخرى فى الأسواق العالمية هو أنه من النوع الخفيف الصديق للبيئة. وتم إنشاء البنية التحتية اللازمة من خطوط أنابيب وموانئ وبالذات مصانع لتسييل الغاز، لكن هناك تأخير فى تصنيع أنابيب التصدير وتوسيع سعة موانئ التصدير، بحيث هناك طاقة نفطية إنتاجية فائضة منتظرة الانتهاء من عمليات التشييد اللازمة وذلك لزيادة التصدير خلال السنتين المقبلتين. وبالفعل بدأت الصادرات النفطية والغازية الأمريكية تتجه إلى الأسواق العالمية شرقا وغربا (الدول الآسيوية والأوروبية)، الأهم من هذا، لقد اكتفت الولايات المتحدة، بإنتاجها النفطى والغازى باستثناء استيراد كميات نفطية محدودة من جارتيها كندا والمكسيك. وكما هو معروف تشكل السوق الأمريكية باستهلاكها البترولى الضخم واحدا من أكبر الأسواق فى العالم (إلى جانب السوق الصينية). كما استطاعت الولايات المتحدة أن تنفذ سياسة الاكتفاء الذاتى البترولى، هذه السياسة التى نادى بها مرشحى الرئاسة للحزبين الديمقراطى والجمهورى منذ عقد السبعينيات للانفكاك عن استيراد النفط بالذات الاعتماد على الواردات من النفط العربى.
وتتوقع إدارة معلومات الطاقة الأمريكية فى تقريرها السنوى لعام 2019 أن يزداد إنتاج النفط الصخرى الأمريكى، بالذات من حوض بيرمين العملاق الذى يمتد من غرب ولاية تكساس إلى شرق ولاية نيو مكسيكو. لقد بلغ الإنتاج من حقول هذا الحوض نحو 41 بالمائة من إنتاج النفط الصخرى فى عام 2018. وتشير توقعات الإدارة كذلك أن يشكل إنتاج الحقول من حوض بيرمين نحو 17ــ 19 بالمائة من إنتاج النفط الخفيف الأمريكى بحلول عام 2050. إلا أنه يجب الأخذ بنظر الاعتبار أن مستقبل زيادة الإنتاج لهذا النفط سيعتمد مستقبلا على عدة عوامل: التطور التقنى، طرق الإدارة لتحسين الإنتاجية وتخفيض كلف الإنتاج ومعدل الأسعار فى الأسواق العالمية مستقبلا.
***
هناك مؤشرات عدة لتوفر حقول نفط صخرية وغازية فى دول أخرى من العالم. لقد استطاعت الولايات المتحدة الإسراع فى الإنتاج لعوامل متعددة: تسمح القوانين أن يستغل صاحب الأرض الثروة الطبيعية تحت الأرض، عكس معظم القوانين فى الكثير من دول العالم حيث تعتبر الثروة الطبيعية تحت الأرض ملكا للدولة. وقد جعل من السهل على صاحب الأرض أن يقدم أرضه الموعودة لقاء الحصول على شراكة فى الشركات الفتية التى طورت النفط الصخرى الأمريكى. كما أن مشاركة صاحب الأرض فى هذه الشركات قد أسرع فى عملية تأسيس الشركات وانطلاقها فى العمل. ومما ساعد الولايات المتحدة أيضا هو توفر الشركات الخدمية والهندسية المتخصصة الضرورية فى تطوير الحقول. ولربما العامل الأهم هو إمكانية الحصول على القروض المالية الضرورية بالسرعة اللازمة. وكذلك توفر البنى التحتية اللازمة من خطوط أنابيب وسكك حديد داخلية للمواصلات. لكن يبقى هناك موضوع خطورة تسرب المياه الكيماوية إلى أحواض مياه الشرب والزراعة وما ستواجهه من تحديات مستقبلية.
يتواجد النفط الصخرى فى دول متعددة. وقد بدأت كندا البدء بإنتاجه فعلا، لكن بكميات محدودة أقل بكثير من الولايات المتحدة. ويتوفر النفط الصخرى فى عدد من الدول الأوروبية إلا أنه ممنوع تطويره فى كل من روسيا وفرنسا وغيرهما. كذلك فهو متوفر فى الأرجنتين وليبيا والسعودية والصين (حيث تتم عمليات الاكتشاف والتطوير للحقول).

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved