مبادرة إنقاذ برج رشيد.. العمارة والتغير المناخي في مصر

نبيل الهادي
نبيل الهادي

آخر تحديث: الخميس 13 يناير 2022 - 9:50 م بتوقيت القاهرة

منذ أكثر من ست سنوات وأنا أقوم بدمج التغير المناخى فى المقررات التى أقوم بتدريسها فى جامعة القاهرة، وقمت بذلك بطريقة تتناسب مع قدراتنا ولكنها أيضا تمنحنا الكثير من المميزات عن مداخل أخرى للتعامل مع ذلك التحدى الوجودى، وتعلمت/نا الكثير من خلال ذلك للدرجة التى تمكنى من الزعم بأن التغير المناخى يمكن أن يشكل إطارا لاقتراحات عملية يمكن تنفيذها للنمو المتجدد فى مصر.

أظهر مؤتمر الأطراف السادس والعشرون والذى عقد فى جلاسجو منذ وقت قريب أن هناك معركة حامية الوطيس تدور فى العالم حول التغير المناخى وآثاره الكبيرة للغاية والكارثية على حياتنا واقتصادنا. ونحن طرف أصيل فى هذه المعركة، حتى وإن لم نشارك بفاعلية فى إنتاج الانبعاثات التى تتسبب فى تأثيرات التغير المناخى. التأثير المتوقع علينا كبير للغاية كما ظهر فى عدة تقارير دولية، وخاصة من اللجنة الحكومية للتغير المناخى، والتأثير يتعدى ما هو شائع من احتمال غرق أراضٍ واسعة من شمال الدلتا. إذ فى حقيقة الأمر لن ينجو أى مكان فى مصر من تأثير ما؛ وإن اختلفت شدته وتنوعت مظاهره.

بمناسبة أن مؤتمر الأطراف السابع والعشرين سيعقد نهاية هذا العام فى شرم الشيخ، اقترحت على زملائى أن يكون هذا هو الموضوع الرئيسى لطلبة البكالوريوس. ولكن ما نجحت فى تحقيقه، ربما لصعوبة التحدى، أن يتم تناول ذلك من خلال طلبة برنامج الماجستير المشترك مع إحدى الجامعات الألمانية. ولهذا المشروع اخترت برج رشيد، والذى هو من أكثر الأماكن عرضة لتأثيرات التغير المناخى. ويظهر ذلك بوضوح فى حالة قلعة قايتباى الواقعة به والتى عثر فيها على حجر رشيد الذى وبسببه تمكنا من فهم وتقدير الحضارة المصرية ومنجزاتها بشكل أفضل. تمثل حالة القلعة الآن ومستقبلها القريب تحديين كبيرين، إذا تمكنا من التعامل معهما بذكاء وبالاعتماد على العلم فربما كان بإمكان العمارة المساهمة فى عملين هامين للغاية: أولهما إنقاذ تلك القلعة الأثرية المهمة للغاية، أما ثانيهما، وربما الأهم، فهو إنقاذ العديد من أرواح البشر والكائنات الطبيعية والتى تشكل المجتمع المحيط.

الفرضية الأساسية لهذا المقترح، والتى تقوم على كيفية تعاملنا مع كارثة التغير المناخى، ستحدد ما إذا كان للحضارة فى مصر والعالم فرصة للاستمرار أم لا، وأن هذه الفرصة للاستمرار كما أوضح العديد من العلماء تتطلب تغيرات جوهرية فى الاقتصاد وأسلوب الحياة، أى إنها تتطلب الانتقال إلى نموذج آخر أكثر استدامة ورفقا بالبيئة من ذلك الذى نتبعه حاليا. الاستجابة الذكية لذلك التحدى يمكن أن يكون مثالا لما يمكن عمله فى الأنحاء الأخرى المختلفة فى مصر، ويستعيد مرة أخرى ولكن بصورة مختلفة كيف بدأت الحضارة فى مصر من علاقة قوية مع الطبيعة وإيقاعاتها.

ولكن هناك تحديا كبيرا يواجهنا فى هذا الموقع، فطبقا للقياسات المتوافرة فإنه فى المائة عام السابقة (وربما أكثر) حدث هبوط أرضى يعادل نحو 25 سنتيميترا فى أرض شمال الدلتا، كما حدث ما يقارب نفس المعدل ولكن بزيادة مستوى سطح البحر. وربما هذا ما يفسر انخفاض مستوى قلعة قايتباى عن مستوى الماء فى مجرى نهر النيل المجاور لها من الناحية الغربية بنحو خمسين سنتيميترا أو أكثر قليلا (بناء على ملاحظة شخصية). ويتوقع الباحثون هبوط الأرض فى نفس المكان فى أقل من الثلاثين عاما القادمة وحتى 2050 بمعدل نحو 20 سنتيميترا. كما من المتوقع أيضا أن يرتفع منسوب سطح البحر بمعدل مماثل، أى بإجمالى نحو 40 سنتيميترا أو ربما أكثر. يعنى هذا أن مستوى أرضية قلعة قايتباى بحلول عام 2050 ستكون أقل من منسوب سطح الماء الملاصق لها بنحو متر، وهو ما يمثل تحديا كبيرا قد يحدث نتيجة له.. وهو ما لا نريده جميعا.

سنقوم فى هذا المشروع بالبناء على الدراسات التى تم إنجازها منذ العام 2015 وحتى الآن للمنطقة، وسنقوم بعدة زيارات للمنطقة والتعرف على ناسها وطبيعتها بصورة مباشرة وعلى التحديات. وسيكون المطلوب من طالباتنا وطلابنا أن يناقشوا السيناريوهات المختلفة المقترحة للتعامل مع قلعة قايتباى، ومنها المقترح الرسمى وأيضا مقترحات أخرى بديلة يمكن من خلالها التعامل مع الموقف الخطير للقلعة. ومن خلال تلك المناقشة يمكن لمجموعات الطلاب أن تتبنى أحد تلك السيناريوهات ثم سيكون على كل مجموعة أن تجيب من خلال مقترح قابل للتنفيذ على واحد من الأسئلة التالية:

(1) كيف يمكن إصلاح وتطوير منظومة الماء من خلال العمل على إنقاذ قلعة قايتباى والمنطقة المحيطة؟. (2) كيف يمكن إصلاح وتطوير منظومة الطعام من خلال العمل على إنقاذ قلعة قايتباى والمنطقة المحيطة؟ (3) كيف يمكن إصلاح وتطوير منظومة التنقل من خلال العمل على إنقاذ قلعة قايتباى والمنطقة المحيطة؟ (4) كيف يمكن إصلاح وتطوير منظومة الطاقة من خلال العمل على إنقاذ قلعة قايتباى والمنطقة المحيطة؟

وسيتم تضمين تلك المقترحات فى صورة تقرير يشمل الدراسات والتحليلات وأيضا رسومات للمقترحات بصورة يمكن إيصالها للجهات المختلفة وأصحاب المصلحة. نحن محظوظون فى هذا الربيع لانضمام عدد من الخبراء المحليين والدوليين للتدريس ومنهم؛ مى الإبراشى خبيرة الآثار والترميم ومديرة مجاورة، وفرانك شفارتزه أستاذ تخطيط المدن ومخطط فى المدرسة العليا بمدينة لوبيك وخبير فى دراسات التغير المناخى وشارك معنا من قبل فى دراسة المنطقة وزارها مرتين فى العام 2016. ويشارك معنا أيضا بروك مولر عميد مدرسة العمارة والفنون بشارلوت ومعمارى متخصص فى شئون الاستدامة، كما يشارك معنا أحمد العدوى مدرس الهيدروليكا بجامعة المنصورة وهو حاليا باحث فى طوكيو تك. كما أننا محظوظون لأن الطالبات والطلبة هم من خلفيات متنوعة، فبعضهم مصرى والبعض الآخر من دول أخرى مختلفة، وهو ما يضيف دائما مناخا أكثر تحديا وربما أفضل للمناقشات والعمل والبحث الجاد، ونتمنى أن يكون أيضا مبدعا.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved