خطاب إلى الأستاذ على هامش «صالون التحرير»

أهداف سويف
أهداف سويف

آخر تحديث: الخميس 13 فبراير 2014 - 11:43 ص بتوقيت القاهرة

أستاذنا الكبير،

تحياتى وسلامى، وبعد،

نفيتم أكثر من مرة أنكم تكتبون البرنامج السياسى للمشير عبدالفتاح السيسى، وفى «صالون التحرير» ــ حسب الشروق يوم الثلاثاء ــ «قالوا إننى أكتب البرنامج الانتخابى له، هل يمكن لأى أحد أن يكتب إن شاء.. المفروض أن يضع هو البرنامج بنفسه». ومن المفهوم طبعا أن حضرتك لن تكتب إن شاء، ولكن أى مرشح انتخابى يضع برنامجه متفاعلا مع رؤية ونصائح من يثق فيهم، ومن المؤكد أن رأيكم ورؤيتكم من أهم ما يؤثر فى المشير إن لم يكن أهمها على الإطلاق.

أستاذنا، معروف عنكم أنكم تثمنون تعددية الأصوات ووجهات النظر فى المجال العام، وينتشر الحديث اليوم عن وقوفكم الفعلى فى حماية بعض «بؤر» هذه التعددية، وربما يكون هذا هو الذى يُبقى مساحة ــ محدودة ومهددة لكنها على أى حال إلى الآن مفتوحة ــ فى الإعلام لخطاب يتحرك على محور مغاير للخطاب السائد. وفى هذا الإطار أتمنى أن يتسع صدركم لبعض التساؤلات والملحوظات أثارتها عندى قراءة تقرير صالون التحرير.

(1) صَعُب علىّ فهم مقولة أننا «قبل أن نقف على طريق المستقبل يجب ألا نتحدث أو نسأل عن اتجاه المسيرة».

المستقبل مفروش أمامنا ــ أو بالأصح أمام الأجيال الشابة ــ كالأفق، أى اتجاه تمشى فيه ستصل إلى المستقبل. السؤال هو «أى مستقبل سنصل ــ أو سيصلون ــ إليه؟» يعنى هناك مستقبل، مثلا، يحافظ على الشكل الذى نحن عليه منذ أربعة عقود أو يزيد، فتكون التحسينات الجزئية والسطحية لأحوال عامة الناس، وتعالج فيه المشكلات بدرجة تسمح بنوع من الاستقرار والاستمرارية للشكل الذى هو فى مصلحة قلة قليلة قريبة من مركز الحُكم، مع تشديد قبضة الأمن وعقوبات الاحتجاج بأنواعه. وهناك مستقبل آخر، مثلا، فيه يفسح المجال لتفعيل وتمكين طاقات الناس وإرادتهم، فينتجون حلولا مبتكرة وجذرية لمشكلاتهم، وهو مستقبل يفتح الباب لحدوث تغييرات كبيرة فى المجتمع، ويوجب انحسار دور المؤسسة الأمنية وابتعادها عن مجالات السياسة والرأى. وهناك «مستقبلات» أخرى ممكنة، وأتصور أن اختيار أى المستقبلات نريد يحدد الاتجاه الذى نمشى فيه. فإذا كان الشخص «ا» يرى أن الطريق الذى يجذبه إليه الشخص «ب» يوصل إلى مستقبل غير الذى يريده أليس له أن يتساءل بل أن «يحرن» ويرفض الاستمرار إلى أن يتوافق الاثنان، وبوضوح؟

(2) «الشعب المصرى لا يبحث عن بطل لكنه يبحث عن أمل»

معكم كل الحق، فالشعب المصرى اكتشف فى يناير 2011 انه لا يحتاج إلى بطل، واكتشف أنه يستطيع أن يدير أموره بنفسه، وأنه ليس قاصرا أو عبيطا، وللأسف للأسف للأسف لم تنتزع له المجموعات التى «مثلته» أمام المجلس العسكرى حق إدارة أموره بنفسه، ولم يتح له رئيسه المنتخب، محمد مرسى، أن يدير شئون نفسه، ثم جاءت أحداث يوليو 2013، مع إحباطات الشهور التى سبقتها، مع سوط الخطاب الإعلامى، فأعيد إنتاج الشعب الباحث عن بطل. وقد وجده، وجد البطل الذى يعده بالحماية وبـ«الحنان»، ووجد معه الأمل ــ والأمل ما زال ذلك الأمل الذى عبر عنه فى يناير: الأمل فى الحياة الكريمة. والحنان بالأفعال وليس بالكلمات، فإن وفر البطل للشعب الحياة الكريمة استقر الشعب فى كنف البطل، وإن لم يوفرها البطل خرج الشعب مرة أخرى حاملا مسئولية نفسه يبحث عنها وعن الأمل.

(3) «لماذا يُعرض المنصب الوزارى وتُعرض الرئاسة وتُعرض كل حاجة فى هذا البلد على كل من تتوسم فيه خيرا ولا أحد يجيب؟»

تصورى المتواضع أن مشكلاتنا لن تجدى معها الحلول الجزئية، يعنى وزير التعليم ووزير الصحة ووزير الزراعة ووزير السياحة، مثلا، كل واحد منهم يقدر يعمل إصلاحات فى وزارته وفى مجاله، لكنها ستكون بالضرورة إصلاحات بسيطة وسطحية. أما الإصلاحات الحقيقية المطلوبة فلا يمكن إلا أن تكون ضمن خطة كُلِيَة شاملة ثورية تربط وظائف ونشاطات البلاد ببعضها وتطلق طاقات المواطنين وإبداعاتهم الكامنة. وفى ظل نظام لا يعبر عن مثل هذه الرؤية لن يمكن لأى مسئول مهما تكن عبقريته أن يترك أثرا يذكر.

(4) «ليست لدينا الموارد التى تمكننا من تنفيذ مطالب التعليم والصحة والعدل الاجتماعى، وتوزيع الثروة فى مصر لم يكن فى يوم من الأيام بمثل البذاءة التى عليها الآن ولا فائدة من برامج تطرح دون وجود موارد».

الكل يعرف أن العدالة الاجتماعية لا تتحقق فى سنة ولا فى خمس سنين، وأن المطلوب هو أمارة على أن النظام يتوجه ــ فقط يتوجه ــ نحو مستقبل يثمنها ويعمل عليها. وأليس تعديل هذا التوزيع الـ«بذىء» للثروة مفتاحا من مفاتيح البرهنة على التوجه نحو العدالة الاجتماعية؟

(5) الأجيال الجديدة «مظلومة فهى لا تعرف حقائق العالم، هذا الشباب جزء كبير من جموحه إن محدش بيكلمه، سايبه، بيكلم نفسه.. هم مضطرون أن يكلم بعضهم بعضا لأن محدش بيكلمهم لا فيه قيادة ولا حكم ولا أحزاب ولا جماعات ولا مثقفون بيكلموهم كل واحد بيكلم نفسه»

قد يكون من المفيد هنا أن نُعَرِف «حقائق العالم» هذه ونميز بينها. فإن كنتم تقصدون «حقائق» من نوع أن الظلم مُكوِن من مُكوِنات الكون وعلينا القبول بقدر منه، أو أن لا فكاك من سيطرة شركات السلاح والأدوية والأغذية المعدلة جينيا على العالم واقتصاده وعلينا أن نقنع بفتات الحياة فى ظلها، أو أن علينا التنازل عن جزء من حريتنا ثمنا للأمن، أو أن الغلبة دائما لمن يحمل السلاح، أو أن المثالية لا تؤَكِل عيشا ــ فالشباب يعرفون كل هذا ويرفضونه، فهو ليس من سنن الطبيعة وإنما من صنع الإنسان. وإن كنتم تقصدون حقائق من نوع أننا مقبلون على كوارث إنسانية وبيئية ضخمة فى الماء والغذاء والطاقة، فالشباب يعرفون هذا تماما، ويدركون أن هذه أخطار وجودية ــ «نكون أو لا نكون» كما تفضلتم ــ وأنها أيضا من صنع الإنسان، فيعزونها إلى سوء إدارة وجشع الأجيال التى سبقتهم، وسيطرة قلة صغيرة جدا على اقتصاد العالم، ومعركتهم بالأساس هى للمطالبة بأن نفسح لهم المجال ليتفاعلوا مع هذه الإشكاليات ويجدوا لها حلولا.

وأعتقد ــ وأعرف أنه من الصعب على جيلنا أن يقبل هذا ــ أن الشباب لا ينتظرون أن يحدثهم مثقفون أو أحزاب أو قيادات، فهم سئموا حديثنا وخاب ظنهم فينا وما يريدونه منا الآن هو الابتعاد لكى يحاولوا هم إصلاح ما أفسدناه نحن.

(6) «الحلول عند الشعب»

فعلا. والشعب فى الواقع هو الشباب. والمستقبل له وليس لنا. الماء والغذاء والطاقة هى المشكلات الكبيرة القادمة للعالم أجمع. والشباب فى العالم أجمع يحاول مواجهتها. تعلمون أن العالم كله الآن يموج بحركات الشباب يبحث عن نظام بديل يتيح له، وللأرض، الحياة. وشبابنا جزء من هذا المد.

كل هذا، سيدى، لأطلب منكم ــ فى النهاية ــ أن تنصحوا من تنصحون: من يريد الخير لمصر فليكف يده عن شبابها، فمن يعادى شباب بلده ويقتله ويحبسه ويعذبه ويجرحه ويهينه ويحبطه ويثبط همته إنما يعادى بلادنا نفسها ويعادى مستقبلها الممكن. أصبتم تماما أستاذنا، حين قلتم إننا على مفترق طرق، نكون أو لا نكون. الأخطار التى تتهدد كوكبنا الأزرق البديع لم يسبق لها مثيل، والأقدر على مواجهة هذه الأخطار هم من سوف يحيون فى هذه الأرض بعدنا، فلنفسح لهم المجال، وليكن إسهامنا فى المجال السياسى فى بلادنا الآن هو حمايتهم ــ فقط حمايتهم.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved