العالم الأديب

محمد زهران
محمد زهران

آخر تحديث: السبت 13 فبراير 2016 - 10:30 م بتوقيت القاهرة

في خمسينيات القرن العشرين أعطى البارون تشارلز بيرسي سنو سلسلة من المحاضرات وكتب الكثير من المقالات بعنوان "الثقافتان"، كان لهم أكبر الأثر في الأوساط الثقافية الإنجليزية، بل ولن نكون مبالغين لو قلنا أن تأثير "الثقافتان" ممتد حتى الآن. فما هي حكاية "الثقافتان"؟ كان البارون متخصصاً في الكيمياء الطبيعية وكان أديبا، فكان يقضي نصف وقته مع العلماء والنصف الآخر مع الأدباء، وكانت نتيجة ذلك أنه درس الاختلافات والمتشابهات بين هاتين الثقافتين. قلة نادرة جدا من يجمعون كلتا الثقافتين في تناغم وتكامل، منهم عالمنا العبقري الدكتور محمد كامل حسين.

طبيب هو، مع أنه حاصل على جائزة الدولة في الأدب سنة ١٩٥٧، أمضى تسع سنوات أستاذا لكرسي جراحة العظام، لكنه عضو في مجمع اللغة العربية! على الجانب العلمي يعتبره الكثيرون الأب الشرعي لطب العظام في مصر، فمثلا كان أول من أجرى عمليات الانزلاق الغضروفي بالعمود الفقري، كان رئيسا للمجمع العلمي المصري وعضوا في المجلس الأعلى للعلوم وجمعية جراحة العظام البريطانية وأكاديمية الجراحة بفرنسا وجمعية جراحة العظام الدولية و.. و.. القائمة تطول!

روايته "قرية ظالمة" حاصلة على جائزة الدولة وعلى الجانب العلمي استمتعت بكتابه العلمي الرائع "وحدة المعرفة" والذي كان سببا في معركة علمية مع عباس محمود العقاد، كانت الغلبة فيها للدكتور حسين (إذا أردت أن تعرف المزيد عن هذه المعركة فاقرأ في حديث الدكتور مع محمود عوض في كتاب هذا الأخير "شخصيات" أو كتاب "يوميات" للعقاد)، له مجموعة قصصية بعنوان "قوم لا يتطهرون" وله كتاب علمي فريد بعنوان "التحليل البيولوجي للتاريخ"، بالإضافة إلى مؤلفات أخرى كثيرة. وحصل الدكتور محمد كامل حسين على جائزة الدولة التقديرية في العلوم سنة ١٩٦٦ بالاشتراك مع الدكتور محمد نجيب حشاد. كم شخصا تعرفه حصل على جوائز الدولة في العلوم والآداب؟.

في حديث له مع محمد عبدالحليم عبدالله في كتابه الممتع "لقاء بين جيلين"، يقول الدكتور محمد كامل حسين إنه نادم على فرص حنان كان من الممكن أن يمنحها للناس! هذه الجملة تعطينا لمحة عن شخص يمتاز برهافة الحس وإن كان يخفيها بقناع الجدية، مما لاشك فيه أنه منح مرضاه آلاف من فرص الحنان سواء في عيادته أو بإنشاء مستشفى الهلال الأحمر بالقاهرة سنة ١٩٣٧ برعاية على باشا إبراهيم.

كان مبشرا بمستقبل باهر منذ صباه، حيث ولد الدكتور محمد كامل على حسين سنة ١٩٠١ بالمنوفية وكان أول البكالوريا سنة ١٩١٧ ثم التحق بمدرسة الطب وكان الأول على دفعته في كل سنوات الدراسة، سافر في بعثة علمية إلى لندن سنة ١٩٢٥ وعاد سنة ١٩٢٩ زميلا لكلية الجراحين الملكية ثم عاد مرة أخرى إلى الخارج، ليفربول هذه المرة، ليحصل على الماجستير في جراحة العظام عام ١٩٣٠.

ما نلاحظه في حياة هذا العالم الأديب العبقري أنه كان معلما من الطراز الأول، ليس لطلبته فقط ولكن لكل من حوله! يقول معاصروه إنه كان ينتهز أي فرصة ليعلمك شيئا وبأسلوب سلس رشيق بدون تكلف أو كبر، كان شخصا يكره الأضواء وهذه دلالة على بغضه للمظاهر وأمور العلاقات العامة. لم يستخدم لقب البكوية قط، والذي أنعم عليه به الملك فاروق حين عالجه، فهو عالم وكفى! كم شخص منا يستطيع أن يقاوم إغراء الأضواء ويكون عالماً وكفى؟

هو عالم حتى وهو أديب، فكل شئ عنده يخضع للتفكير العلمي، فلا غرابة إذا أن الأمم المتحدة عندما أعلنت عام ١٩٦٥ عاما للتعاون الدولي ودعت سبع شخصيات يمثلون الاتجاهات الفكرية الكبرى لإلقاء محاضرة في نيويورك، كان الدكتور محمد كامل حسين واحدا منهم!

لقد نسيت أن أذكر شيئا عن الدكتور محمد كامل حسين: كان رئيسا لجامعة عين شمس من سنة ١٩٥٠ إلى سنة ١٩٥٤، ثم استقال!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved