الاستباحة جريمة أكبر

أشرف البربرى
أشرف البربرى

آخر تحديث: الأربعاء 13 فبراير 2019 - 11:55 م بتوقيت القاهرة

إذا كان الظهور فى مقاطع فيديو شخصية إباحية جريمة، تستحق العقاب، وإذا كان اعتبار هذا الظهور تحريضا على الفسق وممارسة للفجور، وعملا خارجا على القانون يستوجب تحرك السلطات للتصدى له، فإن استباحة خصوصية المواطنين وأسرارهم ونشر هذه الأسرار على مواقع التواصل الاجتماعى جريمة أكبر تحتم على الدولة بكل أجهزتها التحرك للوصول إلى مرتكبيها ومعاقبتهم، لكى يشعر المواطن بأن حرمته مصانة وأسراره الخاصة فى حماية الدولة.
إن حماية خصوصية المواطن وحرمة حياته الخاصة، حق نصت عليه المادة رقم 57 من الدستور التى تقول «للحياة الخاصة حرمة، وهى مصونة لا تمس. وللمراسلات البريدية، والبرقية، والإلكترونية، والمحادثات الهاتفية، وغيرها من وسائل الاتصال حرمة، وسريتها مكفولة، ولا تجوز مصادرتها، أو الاطلاع عليها، أو رقابتها إلا بأمر قضائى مسبب، ولمدة محددة».
ثم جاءت دار الإفتاء المصرية لتدعو إلى عدم نشر الفضائح أو المواد الفضائحية، وتقول «إنه على من علم عيبا أو أمرا قبيحا فى مسلم ولو معصية قد انقضت ولم يجاهر بفعلها؛ ألا يعلن ما علمه باعتبار ذلك من الستر المندوب».
وتضيف الدار، فى منشور على صفحتها على موقع التواصل الاجتماعى «فيسبوك» أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم، قال: «مَنْ رَأَى عَوْرَة فَسَتَرَهَا، كَانَ كَمَنْ أَحْيَا مَوْءُودَة »، أى: كان ثوابه كثواب من فعل ذلك؛ لأن السَاتِر دفع عن المستور الفضيحةَ بين الناس التى هى كالموت فكأنه أحياه، وذكرت أن «مَنْ سَتَرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ فِى الدُنْيَا سَتَرَهُ اللَهُ فِى الدُنْيَا وَالْآخِرَةِ».
وإذا كان ذلك كذلك فلماذا لا تتحرك أجهزة الدولة لكى تكشف كيفية وصول مثل هذه المقاطع الإباحية والمحادثات التليفونية الشخصية المسجلة للعديد من الشخصيات العامة التى تظهر من وقت إلى آخر، إلى الفضاء العام باعتبار الحصول على هذه المقاطع الخاصة أو تسجيل المكالمات التليفونية الشخصية جريمة فى حد ذاتها حتى لو كانت هذه التسجيلات تنطوى على أفعال يجرمها المجتمع أو القانون.
للأسف الشديد هناك تجاهل ملحوظ لهذه الظاهرة التى تفشت فى السنوات الأخيرة، وتباهى بها إعلاميون وسياسيون، وأصبح تهديد المواطنين بما تحت أيدى البعض من تسجيلات وفيديوهات أمرا شائعا، رغم انه بنص القانون والدستور جريمة تستحق العقاب.
لا يجب السماح باستمرار استباحة حرمة الحياة الخاصة للمواطنين وأسرارهم مهما كانت المبررات، ليس فقط لأنه يمثل اعتداء على حق دستورى للمواطنين، وإنما لأنه يخلق حالة من الخوف والتربص المتبادل بين أبناء المجتمع، ويهدد تماسك هذا المجتمع.
التنصت على اتصالات المواطنين وتسجيلها بدون إذن قضائى مسبب جريمة، بنصوص الدستور والقانون، واستخدام هذه التسجيلات وإذاعاتها للتشهير بأصحابها جريمة أخرى، ولكن حتى الآن لا يوجد أى تحرك من جانب الأجهزة المعنية للتصدى لهذه الجريمة وهو أمر بالغ الخطورة على طبيعة العلاقة بين المواطن وهذه الأجهزة، سواء كانت أجهزة التحقيق أو حتى المجلس القومى لحقوق الإنسان والمجلس الأعلى للإعلام وغيرهما من المعنيين بالأمر.
أخيرا فإن تحقيقات النيابة فيما قدم إليها من فيديوهات وتسجيلات تتضمن ما يمكن اعتباره انتهاكا للقانون هو أمر واجب، لكن التحقيق فى مصادر هذه الفيديوهات وكيفية التحصل عليها أوجب لأنه ببساطة قد يكشف عن جريمة أكبر تتمثل فى السطو على معلومات خاصة بطريقة غير قانونية، ثم الاطلاع عليها بدون إذن أصحابها وربما نشرها.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved