فى انتظار اليوم التالى..!

حسن المستكاوي
حسن المستكاوي

آخر تحديث: الجمعة 13 مارس 2020 - 9:35 م بتوقيت القاهرة

** الخميس بدأت النوة أو «الميديكين» شبيه الإعصار باعتبار أن الأعاصير تولد فقط على الدول التى تطل على محيطات وليس على دول البحار مثل المتوسط والأحمر. وكان رئيس الوزراء مصطفى مدبولى قد أعلن منح العاملين فى الدولة إجازة رسمية فى هذا اليوم مع تعطيل المدارس بناء على تقارير من هيئة الأرصاد ووزارة الرى، وهو الأمر الذى ساهم بشكل كبير جدا فى مواجهة حالة مناخية فريدة لم تمر بها منذ نصف قرن وقد أوصفها بأنها وصلت إلى مستوى «الكارثة الطبيعية»، وهى هطول كميات أمطار غير مسبوقة على جميع أنحاء الجمهورية، وعجزت شبكات الصرف فى أنحاء مصر عن تصريفها..
** الشهامة والجدعنة المصرية ظهرت فى الحال. بعض الشباب قاموا بعمليات إنقاذ سيارات ومارة تطوعا بسياراتهم. ومشاعر الأسرة الواحدة لفّت المصريين حول مشاعر القلق والتحفز والمواجهة لخطر لا نعرف حجمه أو نهايته أو لأزمة لا نعرف أبعادها.
** فى حياتى لم أعرف أمطارا تهطل على البلد بلا توقف لمدة 24 ساعة تقريبا وتنوعت بين الرذاذ وبين الغزارة. وخلال نصف الساعة عجزت شبكات الصرف فى الشوارع والميادين والمنازل عن مواجهة كثافة جريان الماء. فامتلأ جراج عمارتنا بالمياه بعد أن امتلأت البيارات أو غرف التفتيش.
** فى حدود الطبيعة المناخية لمصر منذ قرابة المائة عام على الأقل كان مناخنا يختصر فى جملة لطيفة قديمة: «حار جاف صيفا. دفىء ممطر شتاء». تم بناء شبكات صرف المياه والأمطار. وهى ليست كافية لتصريف أمطار بحجم ما جرى فى أكتوبر الماضى أو يوم 12 مارس الحالى. ولكن مراحل التغير المناخى التى أصابت الكوكب منذ نهايات القرن العشرين أدت إلى ذوبان جبال جليد القطبين الشمالى والجنوبى. ويقال إن ذوبان الجليد فى أنتاركتيكا (القطب الجنوبى) تسبب فى ارتفاع منسوب مياه البحر بنحو 10 أقدام لأول مرة منذ نحو 130 ألف سنة..
** الدولة استعدت مبكرا لاستقبال تلك الحالة المناخية الصعبة. وجرت حسابات دقيقة فى عمليات خفض مناسيب الترع والمصارف. وأجريت عمليات استعداد للطوارئ بالمعدات. بكافة أجهزتها وبالقرار السريع للحكومة بمنح العاملين إجازة وتعطيل المدارس خفف من حجم الأزمة لأنه سهّل نسبيا من مواجهتها. لكنها ليست المواجهة المثالية بطبيعة الحال لعدم وجود شبكة تصريف للأمطار. وأذكر أنى زرت العديد من الدول الأوروبية والإفريقية التى تعيش أياما تحت ظلال أمطار غزيرة لا تتوقف، وفى العاصمة الكينية نيروبى رأيت الشوارع تتحول إلى أنهار تجرى فيها المياه وتتصادم حين تلتقى وتغير الاتجاه. لتصب جميعها فى شبكات صرف مخصصة لاستقبال الأمطار. وحين تتوقف السماء عن إرسال المياه ترى الشارع والميدان خاليا من آثار المطر.. وهذا بفضل شبكة صرف أعدت خصيصا منذ عشرات السنين للحالة المناخية الكينية والإفريقية عند مناطق خط الاستواء.. ولها تكلفة مالية مرتفعة للغاية عند تأسيسها وربما تتضاعف فى حالتنا المصرية حين نشرع فى تأسيسها فى شوارعنا ومحافظاتنا فى الوقت الراهن أو المستقبل القريب باعتبار أن هناك ما هو أهم فى ترتيب الأولويات..
** الآثار الإيجابية للأمطار مفهومة. زيادة فى رصيد المياه الجوفية. غسل الترع والنهر. لكن الآثار السلبية أصابت حركة الحياة فى مختلف المدن. وأصابت الزراعات بمختلف أنواعها. فندرة الماء مشكلة للزراعة وزيادة الماء مشكلة للزراعة.
** تلك واحدة من المرات التى نجحت فيها الدولة فى ترتيب مواجهة استباقية مع أزمة تصل إلى مصاف الكارثة بمعايير الإمكانات المتاحة.. ونحن ننتظر الآن انتهاء تجربتنا مع اليوم التالى فماذا جرى يا ترى؟!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved