الانتخابات الرئاسية والأوضاع فى الجزائر

محمد مجاهد الزيات
محمد مجاهد الزيات

آخر تحديث: الإثنين 13 أبريل 2009 - 5:50 م بتوقيت القاهرة

 بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية فى الجزائر، وتولى الرئيس عبد العزيز بوتفليقة للرئاسة لفترة ثالثة، تثور التساؤلات حول طبيعة التطور السياسى والاقتصادى الذى يمكن أن تشهده الجزائر خلال الفترة القادمة، وهل يقود الحراك السياسى الجارى هناك إلى تعددية سياسية تسمح بمشاركة أوسع للقوى السياسية والاجتماعية الفاعلة فى المجتمع، وتزيل الاحتقان السياسى الذى عانت منه الجزائر سنوات طويلة.

لقد شهدت الفترة الرئاسية الماضية للرئيس بوتفليقة عددا من الإنجازات خاصة فى مجال تحقيق المصالحة الوطنية من خلال مشروع الوئام الوطنى الذى استهدف بالدرجة الأولى احتواء العنف الذى تفجر بعد الانتخابات التى كادت تحسمها جبهة الإنقاذ لصالحها فى نهاية الثمانينيات، والذى فتح الباب أمام تطرف أكثر حدة، قادته التنظيمات المتطرفة خاصة تنظيم القاعدة فى المغرب العربى، الذى يتخذ من الجزائر منطلقا لعملياته فى داخلها وفى المنطقة بصفة عامة والذى أسفر عن 150 ألف قتيل داخل الجزائر خلال السنوات العشرين الأخيرة. وإذا كان هذا المشروع قد أدى إلى تراجع وتيرة الأعمال الإرهابية بصورة ملحوظة خلال العامين الأخيرين، إلا أنه لم يتجاوز الإطار الأمنى، ولم يسفر عن تحقيق نجاح ملموس فيما يتعلق باحتواء تيار الإسلام السياسى، حتى المعتدل منه والأقل تطرفا، فلا تزال الحكومة الجزائرية تمارس عملية إقصاء لقيادات وكوادر جبهة الإنقاذ وتحرمهم من المشاركة السياسة.

من ناحية أخرى وفى محاولة للإيحاء بتوسيع حجم المشاركة السياسة خلال السنوات الأخيرة سمحت السلطات لــ60 حزبا بمزاولة العمل السياسى ولا تزال ترفض الترخيص لأحزاب تخشى من منافستها لأحزاب التحالف المساند للنظام، ومن هذه الأحزاب حزب الجبهة الديمقراطية الذى يتزعمه رئيس الوزراء الأسبق سيد أحمد غزالى الذى انتظر الترخيص أكثر من عشر سنوات.

وإذا ما نظرنا إلى مجمل الأوضاع السياسة فى الجزائر فإن هناك عددا من الملاحظات الجديرة بالاهتمام والتى تكشف عن طبيعة التفاعل السياسى والاجتماعى والتى تبلورت بصورة أساسية خلال الفترة الرئاسية الأخيرة للرئيس بوتفليقة، أولها زيادة دور مؤسسة الرئاسة على حساب المؤسسة العسكرية والأمنية وهو ما أسفر فى النهاية عن اختفاء الاحتكاك السياسى بين الطرفين، وتراجع نسبى لدور القيادات العسكرية فى عملية صنع القرار السياسى، إلا أن ذلك لم ينعكس بصورة إيجابية على تطور العملية السياسة الداخلية فى مجملها، واقتصر تأثيره على تعديل إطار توازن القوى بين المؤسستين، بل إنه من الملاحظ أن تزايد نفوذ مؤسسة الرئاسة قد أفرز فى النهاية سيطرة للإدارة على الحياة السياسة سواء الحزبية أو النقابية، فهناك نوع من الائتلاف الحزبى المساند لمؤسسة الرئاسة يضم ثلاثة أحزاب هى جبهة التحرير والتجمع الوطنى الديمقراطى وحركة المجتمع والسلم التى تسيطر على عمل البرلمان وتساعد فى تهميش الأحزاب الأخرى وهو ما يجعل من التعددية السياسة إطارا شكليا.

وقد كشفت عملية متابعة الحملات الانتخابية الرئاسية عن طبيعة الاندماج القائم بين مؤسسة الرئاسة وأجهزة الدولة، وكيف كانت هذه الأجهزة معبأة لدعم فوز الرئيس، وعلى سبيل المثال وبالرغم من تحريم العمل السياسى فى المساجد إلا أن ذلك لم يمنع وزارة الشئون الدينية من تحريض الأئمة على إلقاء خطب لمواجهة المعارضين للرئيس الذين دعوا لمقاطعة الانتخابات، تضمنت أن الانتخابات من الإيمان، والمقاطعة من الشيطان، بل إن وزير الأوقاف نفسه أعلن أن المقاطعين مفسدون فى الأرض، ولم تسمح السلطات للأحزاب والقوى المطالبة بالمقاطعة بعقد أى لقاءات أو تجمعات.

ومن الملاحظات الجديرة بالاهتمام المحاولات الجادة للرئيس الجزائرى لإزالة الاحتقان والتوتر فى الملف الأمازيجى ونجاحه فى استمالة عدد من القيادات الأمازيجية وتوليتهم مناصب حكومية، إلا أن هذا الملف لا يزال يحتاج إلى كثير من الجهد، حيث لا يزال الحزبان الرئيسيان المعبران عن الأمازيج يندرجان فى إطار المعارضة، وقاطعا الانتخابات الرئاسية. ويزيد من الصعوبات التى تواجه التوصل إلى تفاهمات إيجابية فى هذا الملف التدخلات الخارجية التى تزيد من توتره والذى انعكس على قطاعات شعبية فى منطقة القبائل.

وقد استثمرت خلايا تابعة لتنظيم القاعدة فى المغرب العربى هذا التوتر الذى وجدت فيه مناخا مواتيا لنشاطها، حيث انتشرت فى بعض المناطق هناك وقامت ببعض العمليات الإرهابية مؤخرا، ورغم استسلام عدد من كوادر وقيادات هذا التنظيم وتجاوبهم مع مشروع الرئيس الجزائرى للسلم والمصالحة، إلا أن هذا التنظيم لا يزال يمثل خطرا على الأمن الوطنى فى الجزائر وكذلك على أمن بعض دول الجوار، حيث تتنقل خلايا تابعة له فى مناطق الحدود مع النيجر ومالى وموريتانيا وغيرها من دول الساحل والصحراء، كما قام هذا التنظيم ــ ولا يزال ــ بتجنيد الأفراد من تلك الدول ودفعهم إلى العراق لمساندة تنظيم القاعدة هناك وإعداد البعض منهم للتسلل إلى دول أوروبية، ولعل ذلك كان السبب فى تكثيف التعاون الأمنى بين الجزائر وكل من الولايات المتحد وفرنسا وبعض الدول الأوربية الأخرى.

ومن الملاحظات المهمة كذلك المحاولات الجادة للحكومة الجزائرية لتجاوز سلبيات الأزمة الاقتصادية العالمية، فلا شك أن تراجع العائدات البترولية سوف يؤثر على تمويل المشروعات الاستثمارية بصورة كبيرة، كما تراجعت قيمة الدينار بنحو خمس عشرة بالمائة، إلا أن تقديرات المؤسسات المالية العالمية تشير إلى أن الأداء الاقتصادى للحكومة الجزائرية يشير إلى تجاوز الأزمة بصورة إيجابية وتحقيق نمو فى حدود 2%، وإن طالبت فى نفس الوقت بضرورة المواجهة الجادة للفساد فى بعض الدوائر الاقتصادية.

وهكذا نرى أن الفترة الرئاسية الجديدة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة سوف تواجه استحقاقات كبيرة ومهمة، فلم يعد من المقبول استمرار سياسة الإقصاء لقوى سياسية واجتماعية مؤثرة وعلى الحكومة أن تبحث عن صيغ ومسارات أكثر جدية لتحقيق مزيد من التهدئة والتفاهم فى الملف الأمازيجى بما يغلق الامتدادات الخارجية داخله ولاشك أن تطوير صيغة التعددية السياسية وتحقيق انفتاح سياسى حقيقى يمكن أن يستوعب بعض الطموحات السياسة والاجتماعية داخل المجتمع الجزائرى ويدفع إلى مزيد من التفاؤل حول مستقبل واحدة من أهم الدول العربية والذى يمثل الاستقرار السياسى فيه دعما للأمن القومى العربى بصورة كبيرة.


نائب رئيس المركز القومى لدراسات الشرق الأوسط

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved