سارة فى الميدان

داليا شمس
داليا شمس

آخر تحديث: الأحد 13 أبريل 2014 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

العرض عن بنوتة «قطقوطة» هربت من أهلها وراحت تبحث عن حريتها فى ميدان التحرير، تعبت من حياة الدرب الأحمر والقهر الذى يمارسه أبوها على أمها، فتمارسه الأم على الابنة.. أو كما قيل فى مسرحية «تاهت ولقيناها» التى كتبتها حنان الحاج على وبسمة الحسينى: «أبوها ضرب أمها، وأمها ضربت سارة، وسارة ضربت القطة».. وهو المعنى نفسه الذى يتكرر من خلال مشهد الضابط فى القسم الذى يبطش بالمواطنين، ويتحول من سبع إلى قطة أمام رئيسه بمجرد أن يهاتفه.

وسارة ليست الوحيدة بين بنات وأولاد الدرب الأحمر التى سعت إلى الحرية، بل تروى المسرحية حكايات العديد من أبناء مدرسة الدرب الأحمر للفنون الذين أعادوا اكتشاف ذواتهم من خلال تعلمهم للموسيقى وألعاب السيرك، فى تلك المدرسة التى ظهرت فى حيهم منذ ديسمبر 2009، بدعم من مؤسستى الأغاخان والمورد الثقافى. بدأت المدرسة بقبول 86 ولدا وبنتا تتراوح أعمارهم ما بين 8 و18 سنة للتدريب على فنون السيرك والإيقاع فى الفترة المسائية، مقابل عشرة جنيهات للحصة، أى بدخل شهرى للطالب يعادل ثمانين جنيها. وذلك على اعتبار أن الإيقاع مدخل جيد وغير مكلف إلى الموسيقى، وهو يناسب طبيعة أبناء المناطق الشعبية الصاخبة. ثم كانت المرحلة الثانية من المشروع التنموى بتقديم دراسة على مدى سنتين تشمل مواد تكميلية أخرى إلى جانب المهارات الفنية (كمبيوتر، تربية اجتماعية، أداء حركى، لغة إنجليزية، قراءة نوتة موسيقية) لمدة 10 ساعات أسبوعيا، يمنح بعدها المتدرب شهادة معتمدة، وهو ما غير فى حياة الشباب والأطفال الذين شاركوا فى المسرحية بأداء مميز وروح وثابة.

•••

مرح وثقة بالنفس يشرحان القلب، أبرزتهما المخرجة والممثلة اللبنانية حنان الحاج على- شريكة زوجها روجيه عساف بتجربة مسرح الحكواتى فى بيروت- والتى وصفها البعض عندما قدمت مسرحية «مذكرات أيوب» بباريس عام 1994 بأنها مزيج من السيدة العذراء ومارلين مونرو! هذه الفنانة اللبنانية تنفذ كعادتها بسهولة إلى قلوب من يتعاونون معها فتخرج منهم أفضل ما فيهم وتجعلهم على سجيتهم.. وهو بالفعل ما حدث مع المشاركين فى «تاهت ولقيناها»، إذ أخذت من حكايتهم وأضافت لها ليخرج إلى النور هذا العرض المسرحى «السيركوى» الذى قدم مؤخرا بالقاهرة على مسرحى الفلكى ثم جنينة بحديقة الأزهر. لا نشعر لوهلة أن حنان غريبة عن طبيعة الأماكن الشعبية والثورة، بتلقائية شديدة نتعرف على جملة أو جملتين من أغنيات لزياد رحبانى، وتأتى بعدها موسيقى المهرجانات الشهيرة، التى يرقص عليها شباب الدرب الأحمر، ثم ضربات الإيقاع على طبلة ــ دنيا ــ الفتاة المحجبة التى تدرس الحقوق صباحا والموسيقى مساء.

•••

حنان محجبة، ودنيا محجبة.. وتستمتعان بالحياة والرقص والموسيقى وتصفيق الجمهور.. كما يستمتع هذا الأخير بما لذ وطاب من أنواع الفنون دون تمييز بين الجنسيات العربية المختلفة، فكل تعاون بين الفنانين الموهوبين يصب فى مصلحته بغض النظر عن البلد الذى أتى منه المخرج أو الممثل أو المغنى، وبالتالى من غير المفهوم التضييق على الفنانين العرب الذين يرغبون فى التعاون أو فى تقديم أعمالهم من خلال مهرجانات وتظاهرات ثقافية بالقاهرة، كما حدث فى الأسبوع نفسه الذى عرضت فيه مسرحية «تاهت ولقيناها».. لم يمنح أعضاء فرقة «المختبر المسرحى» السورية التأشيرات اللازمة للدخول إلى مصر والمشاركة فى مهرجان وسط البلد للفنون المعاصرة، وهو ما يتكرر فى أحيان كثيرة تجاه جنسيات أصبحت غير مرغوب فيها كالفلسطينية والسورية، بدعوى سوء الأحوال السياسية.. تتحول مصر من الأخت الكبرى إلى الأخت المقهورة التى تمارس سلطاتها وتلقى بعذاباتها على باقى الإخوة، من باب تخليص الحق أو الإبدال، كما يسمونه فى علم النفس.. وبدلا من أن تقتص من المذنبين، تعاقب ناس لا ناقة لهم ولا جمل فيما يحدث، وتعاقب الجمهور.. نجد أنفسنا مجددا أمام وضع شبيه بأم سارة التى يضربها زوجها فتضرب ابنتها سارة وسارة تضرب القطة.. فى حين أن جميعنا باحثون عن الحرية وهمنا واحد.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved