الديموقراطية ليس لها أنياب

جورج إسحق
جورج إسحق

آخر تحديث: الإثنين 13 أبريل 2020 - 10:00 م بتوقيت القاهرة

نتيجة لفيروس كورونا ترددت فى أرجاء العالم كله أنباء عن تغيرات سوف تحدث فى كل المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية برؤى جديدة وأفكار مستحدثة تفرزها الجائحة التى تجتاح العالم، ومن أهم القضايا التى تثار الآن ما هو موقف العالم من الديموقراطية؟ حيث كل القرارات والأحكام الآن تصدر دون مشاركة أو أخذ رأى الشعب حيث إنها مسائل طبية وعلمية لا يتقنها كل البشر، وخاصة أننا عانينا فى الفترة الأخيرة من وجود قيود شديدة من قبل السلطة التنفيذية وكانت الديموقراطية يشوبها الكثير من العوار، كل ذلك أدى إلى التفكير فى مستقبل مكتسبات الديمقراطية. والمثل الذى يُضرب الآن أن الصين دولة ليست ديمقراطية ولكنها حققت نجاحات غير مسبوقة بالعلم وحده.

وقد علمنا أستاذنا الدكتور «عبداللطيف أحمد على» أن أول مصطلح للديموقراطية ظهر فى بلاد اليونان القديمة ليعبر عن نظام الحكم فى أثينا، وقد اشتقت هذه الكلمة من مصطلحين demos والتى تعنى الشعب، kratos والمقصود بها السلطة، ليصبح مصطلح الديموقراطية يعرف بأنه حكم الشعب، ومنذ هذا التاريخ ونشأة هذا المصطلح وهو يشغل تفكير الكثيرين مثلى، وحاولنا أن نتفهم الموضوع وندرس التاريخ ونبحث لمعرفة كيف طُبق هذا النظام فى العالم، وقد مر التطور الديموقراطى فى العالم بمراحل كثيرة، وفى أثناء الإيمان لكثير من الناس بالديموقراطية ظهرت صور من الفاشية والنازية، هذه النظم التى تعادى الديمقراطية بشكل واضح. وأظهر التمرد على النظام الواحد وعدم إشراك الشعب فى العالم طفرات فى العالم أدى إلى تفكك الاتحاد السوفيتى مثلا إلى جمهوريات مختلفة تؤمن بتعدد الأحزاب وتؤمن بالانتخابات البرلمانية، وبذلك تحولت الديمقراطية فى بقاع الأرض إلى نموذج يحتذى به وتطالب به الشعوب.

ورغم ذلك، فإن بعض الحكام يمارسون حكم بلادهم سنوات طويلة ويضرب بعرض الحائط كل القواعد الديموقراطية وخاصة فى إفريقيا، وعندما بدأت الديموقراطية تنتعش فى بلادنا على سبيل المثال بدأ الإرهاب يطل برأسه، فضربت التجربة بأشكال مختلفة منها ظهور التيارات الإسلامية المتشددة التى تؤمن بالرأى الواحد ولا تقبل أى تدخل أو حوار ديموقراطى، وعندما حاولنا فى مصر أن ندمج جماعة الإخوان المسلمين فى المشهد الديموقراطى.. ضربوه فى مقتل. ولا أريد أن أخوض فى تجارب السادات عن الديموقراطية لأنها معروفة للكافة؛ ولكن أريد أن أنبه إلى مقالات الدكتور جابر عصفور فى الأهرام عن بناء الدولة المدنية.
***
فبعد انتهاء الجائحة سوف يتم النظر فى مؤسسات كثيرة فشلت كما نرى فى الولايات المتحدة الأمريكية، التى ظهر عجزها الكامل فى مواجهة الأزمة، وسيبدأ المفكرون فى إعادة صياغة مفهوم الديمقراطية وكيفية ضمان نظم الحكم فى تحقيق الأمن والنظام والتقدم الاقتصادى والعدالة، وبخاصة موضوع العدالة الذى يشوبه بعض الشوائب. وسوف تدخل تشريعات جديدة لحماية الناس بأكثر مما هو موجود الآن، لأن خط الدفاع الأول والأخير للناس هو العدالة.

وتوضح مؤشرات ترتيب مناطق العالم فى مؤشر الديمقراطية أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا هى الأضعف فى الدول التى تمارس هذا النظام، فهناك 14 دولة من أصل 20 دولة دول شمولية وسلطوية، وكانت حركات الشباب بعد ثورة 25 يناير 2011 تطالب بأحزاب حقيقية وانتخابات شفافة وتمثيل حقيقى وكانت الرغبة شديدة من قبل هؤلاء الشباب، ولكن ما حدث كان مغايرا تماما مهما حاولت السلطة تجميل وجهها، فغياب ثقافة المساءلة الحقيقية للنخب الحاكمة أمام الشعب من أكثر الأسباب التى تؤدى إلى ضرب الديموقراطية فى مقتل، وعندما لم يستطع الشباب تحقيق طموحاتهم العالية، ظهرت فى السودان ثورة عظيمة ولكن نتائجها فى علم الغيب، حيث تحاول قوى كثيرة إحاطتها بعوامل تحاول إفشالها، ولكن ظهور الجائحة سوف يغير كل هذه القيود وسوف تنفتح آفاق التغيير ولن تستطيع قوة إيقافها.

فهل الحل لكى يتحقق هذا الحلم أن تتمثل التغيرات فى نموذج الصين الذى ليس له أى مظهر من مظاهر الديمقراطية لكنه يتقدم بالعلم؟ وهل هناك وسيلة أخرى من قبل المفكرين لتحقيق التزواج بين الديمقراطية وتحقيق الأهداف بالعلم؟ هل سوف تظهر فى الأفق نظريات جديدة عن الديمقراطية وأساليب تطبيقها بعد الجائحة؟ كل هذه الأسئلة يجب طرحها فى هذه المرحلة الهامة من تاريخ العالم خاصة أننا لا نملك الآن إلا البقاء فى بيوتنا والتفكير فيما سوف يحدث فى المستقبل. هل من الممكن أن تتكون فى مصر مجموعة من العلماء والمفكرين السياسيين لوضع رؤية مستقبلية استراتيجية لمستقبل مشاركة الشعوب فى الحكم؟ وهل نطمع فى أن نسمع أفكار جديدة فى صورة brain storming حتى نصل إلى ما نتمنى؟ كل هذه الأسئلة وهذه المقترحات أرجو أن يضعها المفكرون والسياسيون نصب أعينهم حتى لا تنتهى الجائحة ــ وسوف تنتهى ــ ونحن فى حالة توهان حتى نستقر على رؤية جديدة ومستقبل أفضل. هل سيتغير نظام المشاركة الشعبية وطرق جديدة للمشاركة؟ وهل نطور فى النظم الديموقراطية حتى نصل إلى المشاركة الجامعة للشعوب فى اتخاذ القرار؟ هل سينتهى الرأى الواحد والرؤية الواحدة والزعيم الأوحد ذو الرؤية الصائبة؟ كل هذه الأسئلة تدور فى أذهان الشباب؟ فهل من سبيل للخروج من الجائحة بشكل أفضل وأنضج وأكثر فاعلية؟ نتمنى أن نحقق هذه الأهداف قبل فوات الأوان، ونتمنى أيضا ألا يتقاعس المفكرون والسياسيون فى أن يستجيبوا لهذه المطالب لأنهم الأمل الوحيد فى التغيير. وهل نستطيع تجميع الأمة حول رؤية جديدة بالإفراج عن كل صاحب رأى ورؤية للاستفادة به فى بناء وطن ديموقراطى مدنى حديث؟

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved