الشارع المصرى فى 2030

نبيل الهادي
نبيل الهادي

آخر تحديث: الثلاثاء 13 أبريل 2021 - 7:20 م بتوقيت القاهرة

«الأزمات تختبرنا، فإما ننهار وإما ننهض ونطور من أنفسنا سريعا» كما تقول الكاتبة الكبيرة نعومى كلين، وهى تشير هنا إلى الأزمة الصحية التى تعصف بشعوب العالم وتنبهنا ــ كما فعل العديد من المفكرين ــ إلى أنه إلى جانب الشدة الكبيرة التى تجسدها هذه الأزمة فإنها أيضا فرصة لتطوير أفكارنا خاصة أن التفكر والتأمل فيما يحدث حولنا يوميا ــ وربما لحظيا ــ يشير إلى عواقب تدخلات البشر، التى حتى وإن كان بعضها بحسن نية، إلا أن كونها لم تدرس عواقبها طويلة الأمد ينتج عنه ما لا تُحمد عقباه سواء من فيروسات لم نكن نعرفها من قبل أو من غير ذلك. يدعونا ذلك لمراجعة أولوياتنا فى العديد من مناحى الحياة، وأن نترجم تلك المراجعة فى أفعالنا وخططنا الحالية والمستقبلية.
يهمنى، كما يهم الغالبية من الشعب فيما أتصور، ما يتم فى قطاع البنية الأساسية للنقل وخاصة ما ينفق على الطرق والكبارى، وأتصور أننا ماضون فى الخطط الموضوعة على اعتبار، أو على أمل، أن كل شىء سيعود كما كان قريبا وهو ربما ليس بالضرورة التصور الصائب. ويمثل الوقت الحالى للعديد من المهتمين بقطاع النقل وبنيته الأساسية فرصة رائعة للمراجعة والتجريب لضمان عودة للحياة تكون بالفعل، وليس بالأمانى، أفضل من ذى قبل. ونتخلص فى تلك العودة من جزء كبير مما كان يضر حياتنا ويؤثر سلبا على صحتنا وأعمالنا. وأن نركز ونعظم من الإجراءات والبنى الأساسية التى تدعم الحياة الصحية والناجحة لكل فئات المجتمع.
أحلم دائما بتضمين الاقتصاد البيئى أى العائد مقابل التكلفة ليس فقط المباشر ولكن أيضا غير المباشر والذى قد يكون أهم وخاصة على المدى المتوسط والطويل. تمثل هنا الدراسة التى قام بها البنك الدولى منذ أكثر قليلا من عام لحساب تكلفة تلوث الهواء والماء فى القاهرة والتى انتهت برقم هائل يتمثل فى نحو سبعة وأربعين مليار جنيه سنويا (فى القاهرة فقط). ما أراه مؤسفا ولكنه يتماشى مع سياسات البنك أنهم من خلال تلك الدراسة بدأوا فى مشروع لتحسين هواء القاهرة يتكلف مئات الملايين من الدولارات ويركز أساسا على استخدام الكهرباء فى وسائل النقل. بينما يمكن للفهم البسيط لكيفية تحسين الهواء ليس فقط فى القاهرة أو مصر ولكن أيضا فى العالم يقتضى الاعتماد على ما يسمونه الحلول المرتكزة على الطبيعة. وتدلنا تلك الحلول على أن أفضل ماكينة لمعالجة تلوث الهواء وتحسينه ومواجهة التغير المناخى المنتظر قريبا هى الشجرة. طالبتهم، ولم يردوا، بوضع ذلك كأولوية لأن هذا لن يكون حلا أكثر استدامة فقط ولكنه أيضا سيكون أقل فى التكلفة وقابل للتكرار فى باقى مدن مصر. سيتطلب بحثا بالتأكيد عن الشجر المصرى المحلى الأكثر ملاءمة للتربة والأقل استغلالا للماء، ولكن هذا ممكن، وسيشرك المحميات الطبيعية فى أرجاء مصر والقائمين عليها فى مجهود جماعى وكبير وسيستفيد من عائده الجميع، وسنساهم أيضا فى مواجهة والتخفيف من تأثير التغير المناخى علينا وعلى العالم.
سيتطلب ذلك أيضا ليس فقط اللجوء لوسائل النقل الكهربائية، ولا مانع عندى من ذلك بل يجب تشجيعه على أن تكون الكهرباء المستخدمة مولدة من مصادر متجددة وليس من محطات الغاز، ولكنه سيتطلب تغيير أولويات طرق التنقل وتشجيع الوسائل غير المميكنة. وفى هذا الإطار تضع منظمة الأربعين مدينة المهتمة بالتحول المستدام هدفا أن يكون ما نسبته سبعون فى المائة من رحلات التنقل فى المدينة حتى العام 2030 بواسطة الدراجة. لست أدرى إن كان لدينا أى إحصاء عن نسبة المستخدمين للدراجات للتنقل بانتظام فى مصر حتى يمكن البدء منها بوضع خطط تنفيذية لذلك التحول الكبير للغاية ولا يمكن مقارنة تكلفته بتكلفة بناء الطرق والكبارى.
تأثير الجائحة على البشر كبير للغاية وغالبا ما سيمتد إلى ما بعد أن تغادرنا. وأحد تلك التأثيرات التى نعيشها الآن، وربما ستستمر معنا، هو تحول أماكن السكن لتكون ليس فقط للعيش والنوم ولكن أيضا للعمل والتعلم. وربما سيبقى هذا النمط، حتى ولو جزئيا، معنا لما له من فوائد متعددة بيئيا واقتصاديا واجتماعيا. ولكن مثل هذا النمط الذى يستدعى إعادة تصميم مساكننا يتطلب أيضا إعادة التفكير فى المناطق التى نعيش فيها حتى تستطيع أن تدعم بقائنا المطول فى بيوتنا حيث نحتاج للتريض بانتظام حتى نحافظ على قدراتنا الجسدية والعقلية وسلامنا النفسى.
يشكل المشى فى الجوار بعضا من الأشياء القليلة المسموح بها فى أقصى ظرف اشتداد الجائحة ولكنه أيضا أحد الأنشط الضرورية للحفاظ على صحة عقولنا وأجسامنا. ولكن حتى نستطيع أن نمارس المشى أو ركوب الدراجات فلا بد من دراسة مدى ملائمة بيئة الجوار التى نعيش فيها لذلك. وعلى عكس أنماط التنقل الأخرى فإن المشى موجود مع التنقل بالدراجة أو السيارة أو القطارات... إلخ. وعاد الاهتمام بالمشى كوسيلة للتنقل مع نهاية القرن العشرين ثم تلقى دفعة كبيرة مع تطوير أهداف التنمية المستدامة والتى أظهرت بوضوح الدور الذى ممكن أن يلعبه المشى فى تحويل مدننا إلى مدن مستدامة.
هل يمكن للتفكير فى المشى والدراجات أن يكون بداية لتصور الشارع المصرى الذى نريده فى مستقبلنا القريب حتى نتمكن من العيش بصورة كريمة ومقبولة. وهل يمكن للتفكير فى الشارع المصرى أن يبدأ لا من شوارع مصر الجديدة ولكن من الشوارع الصغيرة فى شبرا أو إمبابة أو الجيزة أو حلوان. شارع كل المصريين الذى يهدف لدعم حالتهم الصحية الجسدية والنفسية وأيضا دعم البيئة الطبيعية وتحسينها واستعادتها.
ليس من صالحنا تجاهل أو التقليل من شأن التحدى الصحى الذى يواجهنا ويواجه العالم كله أو ادعاء أننا فى حالة مقبولة، ولكن فى معاودة التفكير فى أولوياتنا وخططنا والتحلى بالشجاعة اللازمة لاتخاذ مسارات ليست فقط أكثر دعما لحياة ذات معنى لنا ولأولادنا وأحفادنا ولكنها أقل تكلفة مباشرة أيضا.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved