الشعـب هـو السيد

محمد المنشاوي
محمد المنشاوي

آخر تحديث: الأحد 13 مايو 2012 - 8:35 ص بتوقيت القاهرة

عبر بنيامين فرانكلين، أحد أهم الآباء المؤسسين للولايات المتحدة، عن مفهوم سيادة الشعب قائلا: «فى الحكومات الحرة، الحكام هم الخدم والناس رؤساؤهم وأصحاب السيادة». ونحن فى مصر قطعنا شوطا طويلا غير مسبوق فى تاريخنا للوصول لبدايات هذه المرحلة. وقد كان أهم ما أبرزته المناظرة التليفزيونية بين بعض مرشحى سباق الرئاسة المصرية هو هوية السيد الجديد للرئيس المصرى القادم. وأكدت المناظرة أن الشعب المصرى أصبح هو السيد، ومن الآن سيكون الشعب المصرى هو السيد الوحيد للرئيس المصرى الجديد.

 

لقد كانت المناظرة التى هى الأولى من نوعها فى العالم العربى، وشاهدها ملايين المصريين، دليلا كاشفا لتوازن القوى الحقيقى داخل مصر. كل القوى السياسية سواء كانت جماعة الإخوان المسلمين وحزبها السياسى، أو الأحزاب اليسارية والليبرالية، والوسطية أو حتى المجلس العسكرى أو البرلمان لا تتمتع بقوة مماثلة لتلك التى يتمتع بها الشعب المصرى، والتى أظهرت المناظرة قوتها. كل القوى السياسية خسرت رصيدا كبيرا مما لديها خلال الشهور الماضية، وذلك على العكس من قوة الشعب المصرى الباقية، والتى لا تزداد إلا صلابة.

 

حاول المتنافسون خلال ساعات المناظرة الأربع نيل رضا أكبر شريحة ممكنة من الشعب المصرى. ورأينا ملايين المصريين البسطاء جالسين فى المقاهى الشعبية وغير الشعبية، رأينا ربات بيوت وأولادهن جالسين أمام شاشات التليفزيونات فى بيوتهم يفكرون إلى أى فكر وبرنامج يميلون.

 

قام المصريون بتقييم أداء المرشحين، وأعادت فئات كبيرة حساباتها بخصوص هذا المرشح أو ذاك.

 

لذا لم يخرج هذا المرشح أو ذاك فائزا من هذه المناظرة، ولن يكون كذلك حتى فى المناظرات القادمة، الفائز الوحيد هو جموع الشعب المصرى التى تنافس المرشحون للوصول إلى قلوبها وعقولها.

 

إلا أنه من العار أن تبقى فئة كبيرة من جموع الشعب المصرى خاضعة لآفة الفقر الذى أصبح ليس غريبا على مصر، وطبقا لأحدث تقرير صادر عن التنمية البشرية بالوطن العربى مؤخرا، قدرت نسبة الفقراء فى مصر بـ41% من شعبها، أو ما يقرب من 33 مليون نسمة. وتعرف بعض المعايير الدولية الفقر بحصول الفرد يوميا على أقل من دولارين اثنين، أى ما يعادل اثنى عشر جنيها تقريبا، أو ما يقرب من 360 جنيها شهريا.

 

ولا يعنى تعريف الفقر فقط عدم كفاية الدخل، بل يتجاوزه إلى أبعاد أخرى، منها تدهور الصحة وسوء التغذية، وتدنى مستوى التعليم، وعدم توافر السكن اللائق، والأهم عدم المشاركة السياسية. وهذه هى معضلة الفقر الذى يعيشه ما يقرب من 33 مليون مصرى فى مختلف أرجاء البلاد.

 

كما تجاهلت ومازالت تتجاهل ثورتنا المصرية نحو 21 مليون مواطن مصرى، أى بمعدل مصرى واحد من كل أربعة مصريين، وهؤلاء المصريون هم من لا يقدرون على قراءة هذا المقال، وغيره من الكتابات، لأنهم ببساطة أميون، لا يعرفون القراءة ولا الكتابة.

 

ويمثل الإناث الشريحة الكبرى من الأميين فى مصر، بنسبة مقدارها 66% من الـ21 مليون مواطن، والبقية من الذكور، وينتشرون فى كل أرجاء قرى ومدن ومحافظات مصر.

 

وقد تبارى مفكرو مصر وساستها ومثقفوها فى التنظير للمرحلة المقبلة، والتنافس فى تقديم وصفات لنهضة مصر وطرق إقامة ديمقراطية حقيقية، إضافة إلى طرح تصورات لكيفية إعداد المصريين للتمتع بحقوق الإنسان الأساسية، ولكل هذا ما يبرره. إلا أن تجاهل قضية محو الأمية ليس له ما يبرره على الإطلاق، كونه مهمة وواجبا وطنيا لا يقل أهمية عما سبق ذكره.

 

أصل الديمقراطية ينحصر فى مبدأ حكم الشعب لنفسه من خلال اختياره لحكامه. وتتطلب الديمقراطية الجيدة وجود درجة عالية من المشاركة السياسية العالية، وللأسف يكون الفقراء والأميون من أقل الفئات مشاركة فى العمل العام.

 

«معادلة صوت لكل مواطن» التى تمنح كل المصريين من الفقراء والمهمشين وأفراد الطبقات الدنيا والوسطى والعليا حقوقا متساوية فى التصويت مع الأغنياء هى حق يجب أن يكون دائما ولا يقبل النقاش حوله.

 

لقد وضع أبو بكر الصديق، رضى الله عنه، أسسا بسيطة لما يجب أن يكون عليه نظام الحكم الحديث. وقال فى أول خطبة له بعد وفاة الرسول محمد عليه الصلاة والسلام «أما بعد: أيها الناس، فإننى قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينونى، وإن أسأت فقومونى». ويشير ما ذكره الصديق أبو بكر إلى أن الحاكم سواء كان رئيسا أو ملكا أو حتى خليفة، ما هو إلا خادم أو موظف عند بقية الشعب. وأكد أبو بكر أن مصدر شرعية حكمه يستمد من رضاء الشعب عليه، وأن جموع الشعب هى مصدر سلطته الوحيد. على الرئيس الجديد النظر لكل المصريين كحاملى أسهم فى شركة يقوم هو على إدارة أمورها اليومية مقابل أجر.

 

وعلينا جميعا تذكير أنفسنا مرارا أن الشعب المصرى عندما شعر بآلام الاستبداد ثار وأسقط النظام السابق، وكانت له الحرية. إلا أن الأهم الآن هو بناء دولة وكتابة دستور لا يفرزان بيئة ترعى براعم الظلم، ولا توفر مساواة فى الفرص بما يهيئ مرة أخرى للمناخ الذى يفرز الاستبداد.

 

يجب أن يتم التعامل مع محو الأمية كقضية أمن قومى، ولا يجب أن يستهان بها، أو العمل على تأجيل النظر فيها. برامج محو الأمية التدريجية لم تؤت ثمارها خلال الستين عاما الماضية. علينا استثمار الزخم الثورى الذى تتمتع به مصر حاليا للقضاء على أمية ربع الشعب المصرى خلال عام واحد. لا يمكن محو الأمية السياسية وبناء مجتمع ديمقراطى حقيقى بدون محو الأمية الحقيقية، أمية الأحرف والكلمات.

 

ويا فقراء مصر وأمييها اتحدوا خلف المرشح الذى لديه خطط عملية تنتشلكم من براثن هذه الآفات، ولا تنسوا أنكم أكبر كتلة تصويتيه فى مصر.. وما أحوجنا إلى رئيس يشعر بما تعانيه الأغلبية الكاسحة من شعبنا المصرى الفقير والأمى.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved