أزمة القوى المدنية فى مصر.. البعد الثانى لأزمتنا السياسية

مصطفى كامل السيد
مصطفى كامل السيد

آخر تحديث: الإثنين 13 مايو 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

كنت أنتوى أن أخصص هذا المقال لأزمة حكم الإخوان المسلمين. وعلامات هذه الأزمة واضحة، آخرها الإخفاق فى اختيار من يصلحون لتولى المناصب الوزارية، وآثرت أن أكتب عن أزمة القوى المدنية المعارضة لأنها فى الواقع أحد أسباب أزمة حكم الإخوان المسلمين، فبقدر كفاءة وقوة المعارضة تكون كفاءة وقوة الجماعة الحاكمة، فبقدر التحدى تكون الاستجابة وإذا لم يكن هناك تحدٍ حقيقى من أى نوع فلن تكون هناك استجابة، وإذا جاءت فسوف تكون بدرجة ضعف التحدى. ولنا فى الدول الغربية بل وحتى فى دول الجنوب ذات الديمقراطيات المتدعمة أفضل دليل علىَّ ذلك. وأستبعد من حساب القوى المدنية فى مصر كل الأحزاب التى ترفع شعارات الإسلام السياسى لأنها وفرت على مشقة اعتبارها من القوى المدنية لأنها تعتبر كلمة مدنى مساوية لكلمة ملحد.

 

وقد اجتهد كثيرون فى تحديد أسباب أزمة هذه القوى المدنية والتى تتمثل فى ضعف تأثيرها على المواطنين، بل وكما أوضحت استطلاعات الرأى فغالبية المواطنين لا تعرف بوجودها اصلا كأحزاب وإن كانت قد سمعت بكل تأكيد أسماء بعض قادتها ولكنى سوف أشدد على بعض هذه الأسباب وخصوصا ما يتعلق منها بتحليل هذه القوى للوضع السياسى فى مصر وقدراتها التنظيمية وغياب مشروع ذى مصداقية.

 

●●●

 

يأتى فى مقدمة أسباب أزمة هذه القوى خطؤها الأساسى فى تحليل الوضع السياسى فى مصر. كان أول تجل صارخ لأزمة التحليل هو إسراع بعض قيادات هذه القوى لتأييد المرشح الرئاسى محمد مرسى فى مواجهة أحمد شفيق قبل إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية فى شهر يونيو الماضى، هذا التأييد المعلن فيما سمى بلقاء فندق فيرمونت. لا أعرف من أين جاء من اجتمعوا فى فيرمونت بهذا اليقين أن الدكتور مرسى هو الأقرب إلى روح الثورة، وهم أدركوا هذا الخطأ القاتل فيما بعد وانصرفوا عن الدكتور مرسى بعد أن اتضح أنه وإن كان يكثر الحديث عن الثورة إلا أن ما فعله لا يميز كثيرا بينه وبين الرئيس مبارك الذى خلعته الثورة. وخطأ التحليل الثانى هو تحديد هذه القوى للموقف الراهن، هل هو موقف ثورى يلزمها بأن تتكيف معه بالإعداد لثورة قادمة تطيح بحكم الإخوان المسلمين؟ أم أننا أصبحنا ديمقراطية ناشئة يتم فيها تغيير الحكومة من خلال صناديق الانتخاب؟ لم تحدد القيادات المدنية المعارضة موقفها من هذه المسألة، وربما تنتظر أن تحدد قوى أخرى لها طبيعة هذه المرحلة. وخلال فترة الانتظار هذه تراوحت مواقفها ما بين تأييد كل من يدعو إلى مليونية أملا فى نجاح الطريق الثورى ومن ناحية أخرى أوحت بأنها قد تخوض الانتخابات ولكن دون أن تقوم بأى عمل جاد على أى من الجبهتين.

 

●●●

 

نلمح أيضا فى سلوك عدد من قيادات هذه القوى تناقضا بين الخطاب والفعل. أخطر ملامحه ما ظهر فى الأسبوع الماضى أثناء الاحتفال بقداس القيامة. أوسعت الصحف المستقلة كل أحزاب الإسلام السياسى نقدا لأنها تجاهلت مشاركة الكنائس المسيحية احتفالها بهذا العيد المسيحى. ولكن معظم قيادات هذه الأحزاب تجنبت الذهاب إلى كاتدرائية الأقباط الأرثودوكس للإعراب عن مشاركتها مسيحيى مصر بهذه المناسبة. لم يحضر قداس القيامة سوى السيد عمرو موسى الذى يستحق كل التحية لتقديره أهمية اللحظة للوقوف مع المواطنين المسيحيين، وغاب عن القداس جل القيادات المدنية الأخرى ومنهم الدكتور محمد البرادعى وحمدين صباحى. لا أعرف حسابات الدكتور البرادعى ولا الحسابات الانتخابية لحمدين صباحى وفى الحالتين هى حسابات خاطئة، وكان فى حضور أى منهما أو هما معا مكسب وطنى ومبدئى وانتخابى أيضا. ولكن هذه هى نتيجة الحسابات الخاطئة خسارة على كل الجبهات. موقف الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح واضح هو لم يخرج فى الحقيقة من معسكر الإسلاميين، ويخشى أن يكلفه حضور هذا القداس أصوات بعض شبابهم.

 

وللتناقض بين الخطاب والفعل مظاهر أخرى منها غياب الديمقراطية الداخلية والميل لإقصاء الآخر، ولعل فى الأزمات الداخلية فى كل من حزب الدستور وحزب التحالف الشعبى الاشتراكى ما يوحى بذلك.

 

●●●

 

ولعل أخطر أسباب أزمة القوى المدنية هو اقتصار عملها التنظيمى على العاصمة والمدن الكبرى مع استثناءات محدودة، لا تملك معظم هذه القوى وسيلة للتواصل مع المواطنين. حزب الوفد هو الوحيد من بينها الذى يملك صحيفة يومية، وحزب التجمع يملك صحيفة أسبوعية توزيعها محدود. ولكن لا توجد وسيلة أخرى لكل هذه الأحزاب والقوى تمكنها من التواصل مع المواطنين وقلة منها هى التى لها بعض المكاتب أو الفروع فى أحياء المدن الكبرى أو مدن الأقاليم أو الريف. كيف يمكن تصور نجاح هذه الأحزاب فى انتخابات نيابية يتوقف النفوذ فيها على النشاط المكثف والدائم فى كل دائرة انتخابية إذا لم يكن لهذه الأحزاب حتى الآن تواجد على المستوى المحلى فى معظم هذه الدوائر؟ وليست المسألة هنا «التواصل» بين القيادات المركزية والمواطنين فى المحليات أو «نزولها» لهم، ولكن أن يكون هناك وجود تنظيمى ونشاط متعدد الأوجه فى هذه الدوائر وبفترة طويلة تسبق الانتخابات، وهو وجود ونشاط دائمان لا يتوقفان على فترة الانتخابات. أليس هذا هو سر نجاح الإسلاميين وخصوصا الإخوان المسلمين والسلفيين، فلماذا لا تتعلم منهم القوى المدنية؟

 

●●●

 

طبعا لا تنجح الأحزاب فى دول الجنوب خصوصا لأن لديها برنامج، فالمواطنون الذين يعانون من الأمية الأبجدية والسياسية لا يهتمون كثيرا بالبرامج، ولكنهم يقظون لنوع الخطاب الذى يسمعونه ويشهدونه من الأحزاب المختلفة. أزعم أنه ليس هناك مشروع مقنع لدى القوى المدنية سوى نقد سلوك وخطاب الإخوان المسلمين وترديد شعارات عن الديمقراطية والمساواة والعدالة الاجتماعية ومكافحة الفقر وتوفير العمالة المنتجة، ولكن دون أن يكون هناك مشروع مقنع وذو مصداقية. أعرف أنها تجتهد لصياغة مثل هذا المشروع ولكنه تحد هائل فى ظروف الأزمة الاقتصادية التى نواجهها واضطرارنا للاعتماد على قوى خارجية لمساعدتنا فى الخروج من هذه الأزمة. صعوبة صياغة مثل هذا المشروع أن وسائل تحقيق غاياته النبيلة يجب أن تكون معروفة للمواطنين، وخصوصا أنه لا وجود لمشروع ذى مصداقية لا يتضمن تضحيات ولكن المشروع الذى ستكون له المصداقية هو الذى ينطوى على توزيع متكافئ لأعبائه وثماره.

 

●●●

 

ولكن أليست قيادات القوى المدنية على علم بكل هذه التحديات؟ نعم هم يعرفون كل ما قلت، بل ويتحدثون عنه، ولكن يملكهم الأمل فى أن التاريخ سينقذهم بتكرار ما شهدوه فى الماضى. من كان يحلم بما جرى فى 25 يناير2011؟ لقد كان مفاجأة للجميع بمن فيهم من دعوا إليه. القوى السياسية جميعها أسيرة للماضى، القوى المدنية والإسلاميون، القوى المدنية تحلم بتكرار لحظة 25 يناير والإسلاميون يحلمون بتكرار انتصاراتهم الانتخابية فى خريف 2011. ولكن التاريخ ماكر ليس من السهل التنبؤ بما سيجرى من أحداث تاريخية كبرى فى مصر فى المستقبل القريب ولكن المؤكد أن أزمتنا السياسية مستمرة فى الحكم والمعارضة.

 

 

 

أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، ومدير شركاء التنمية

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved