فائض البطش!

خالد سيد أحمد
خالد سيد أحمد

آخر تحديث: الجمعة 13 مايو 2016 - 9:55 م بتوقيت القاهرة

تستطيع أن تعرف الوزن الحقيقى للدول ومدى تأثيرها فى محيطها الإقليمى والدولى، وقدرتها على حماية مصالحها ومناطق نفوذها، بفوائض القوة التى تمتلكها فى السياسة والاقتصاد والثقافة والفنون والعلوم والحريات، اضافة إلى الأمن.

العنصر الأخير مهم جدا، ومن الطبيعى ان تسعى كل دولة إلى تحقيق فائض حقيقى فيه، لكن مكمن الخطورة هنا، اذا ما تم تجاهل الضوابط القانونية والدستورية التى تحكمه، أو غابت الرؤية السياسية، التى تحدد مجالات تصريف هذا الفائض، لانه سيتحول فورا إلى «فائض بطش».

حالة مصر فى التسعينيات، خير دليل على هذا الأمر، فالأمن كان لديه فائض فى القوة لمواجهة الإرهاب بعد تفلته من عقاله وارتكابه لكثير من المجازر التى استهدفت المواطنين والسياح الأجانب، وتركت جروحا غائرة على جسد الاقتصاد الوطنى.

فى الوقت نفسه، كانت السياسة حاضرة على الطاولة، ولم تدر الحكومة ظهرها لمراجعات الجماعات المتطرفة، التى اعترفت بخطأ الخروج على الحاكم ومواجهة الدولة بقوة السلاح، وهو ما أثمر فى النهاية عن محاصرة هذه الظاهرة.

السنوات الأخيرة فى عهد مبارك، غابت الضوابط السياسية الحاكمة لتصريف فائض قوة الأمن، فتحول إلى فائض بطش، استباح الأحزاب والنقابات المهنية والعمالية، وقمع الأصوات المعارضة للتوريث، وظن النظام وقتها ان حالة السكون العام فى المجتمع، تسمح له بتنفيذ مخططاته، التى تضرب فى مقتل قواعد النظام الجمهورى، الذى تم تأسيسه فى عام 1952، لكن عند أول اختبار حقيقى فى عام 2011، تحول فائض البطش إلى «أثر بعد عين»، ولم ينقذ النظام من مصيره المحتوم، وسارعت عناصر الأمن إلى خلع زيها الرسمى واحتمت فى منازلها، خشية مواجهة غضب الشعب.

بعد 30 يونيو، استعاد الأمن فائض قوته، بتأييد شعبى واسع، لمواجهة ظاهرة الإرهاب القذرة، التى أطلت برأسها مرة أخرى، وبشكل أكثر شراسة وعنفا، وقدم رجال الجيش والشرطة، ولازالوا يقدمون الكثير من الشهداء يوميا، فى مواجهة تلك العناصر التكفيرية، التى تحمل الشر لمصر، وتسعى إلى تحويلها «ميادين للقتل والدم».

فى خضم هذه المعركة المصيرية التى لا يختلف عليها أحد، تراجعت السياسة خطوات إلى الوراء، ولم تقم بواجبها المتمثل فى فرض ضوابط مشددة على فائض قوة الأمن، الذى استعارالقائمون عليه بشكل غير مباشر، شعارا قديما، وهو «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة»، سمح لهم بإعادة إحياء «فائض البطش» الذى سقط فى ثورة يناير، واطلق أيديهم فى مواجهة جميع القوى المدنية، التى يفترض أنها الظهير السياسى الحقيقى للدولة وللنظام الحاكم، حتى لو كانت تختلف معه فى السياسات والتوجهات.

نتيجة ذلك ما نعيشه الآن.. اتساع نطاق التجاوزات فى ملف حقوق الإنسان، والاعتداء على العديد من المواطنين ــ قتلا وتعذيبا وسحلا ــ وتوصيف ذلك بـ«الحالات الفردية»، والقبض العشوائى على الشباب تحت زعم «النية فى التظاهر» لرفضهم التفريط فى جزيرتى تيران وصنافير، حتى وصلنا إلى توقيف عناصر فرقة «أطفال الشوارع»، بحجة «نشر أغانى ومقاطع فيديو مسيئة للدولة».

ليس هذا فقط، بل ان فائض البطش، تجاوز الكثير من الخطوط الحمراء، التى لم يعد يراها القائمون على الأمن، حيث تم اقتحام نقابة الصحفيين بحجة تطبيق القانون، وعندما ثار أعضاؤها دفاعا عن كرامتها، واعتراضا على انتهاك الدستور والقانون، تم شيطنتهم والتحريض ضدهم، بمساعدة الكتائب الاعلامية الأمنية، اضافة إلى «المتلونين» من أبناء المهنة، وكأن الصحفيين هم المسئولون عن أزمة الدولار ومقتل ريجينى وهروب السياح وتحولنا إلى«شبه دولة»!!.

التوسع فى استخدام «فائض البطش»، لفرض السكون الاجبارى على المجتمع، لن يحقق سوى الاستقرار الوهمى والرضا الزائف والهدوء المصطنع، الذى لا نريده لهذا الوطن، كما انه لن يخرس ألسنة المعارضين أو المختلفين سياسيا مع النظام، ولن يزعزع ايمان الكثيرين بمصرية «تيران وصنافير».. أفيقوا قبل فوات الأوان.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved