الإنجازات المتواضعة للتعاون العسكرى بين الناتو والشرق الأوسط

من الفضاء الإلكتروني «مدونات»
من الفضاء الإلكتروني «مدونات»

آخر تحديث: الأربعاء 13 مايو 2020 - 9:20 م بتوقيت القاهرة

نشرت مدونة صدى التابعة مركز كارنيجى مقالا للكاتب «جان لو سمعان» تناول فيه مجالات ودرجة التعاون المحدودة بين الناتو ودول الشرق الأوسط وما يوجد أمام هذا التعاون من عقبات.. نعرض منه ما يلى..

فى يناير الماضى، أعاد الرئيس الأمريكى دونالد ترامب تأكيد رغبته فى حمل حلف شمال الأطلسى (الناتو) على الانخراط على نحو أكبر فى الشرق الأوسط. وبعد النداءات السابقة التى وجهتها الإدارات الأمريكية من أجل تعاون أوثق بين الناتو وشركائه فى الشرق الأوسط، جاء كلام ترامب بمثابة تذكير بأن الولايات المتحدة ليست مزمعة على أن تتحمل بمفردها كلفة المساعدات الأمنية للمنطقة. يقيم الناتو منذ وقت طويل علاقات عسكرية واسعة مع قوات مسلحة محلية، ولكن نظرا إلى النتائج المحدودة لهذا الانخراط، لاشك فى أن توقعات واشنطن بإجراء تقسيم جديد للمهام سيكون مصيرها الفشل.

لقد أدت الأجندات السياسية المتنافسة للدول الأعضاء فى الناتو إلى عرقلة تطبيق أى شراكة طموحة فى المنطقة. لطالما دفعت الولايات المتحدة وبلدان أوروبا الجنوبية مثل إيطاليا وإسبانيا باتجاه زيادة تدخل حلف الناتو خارج حدود البحر المتوسط، فى حين اعتبرت دول أخرى مثل فرنسا أن المنظمة هى كيان عسكرى من دون خبرة دبلوماسية للتعامل مع الأزمات التى يواجهها الشرق الأوسط. إضافة إلى ذلك، بذلت تركيا برئاسة أردوغان جهودا دءوبة لتعطيل أنشطة الناتو غير المنسجمة مع استراتيجيتها فى المنطقة.
***
بغض النظر عن العقبات السياسية، استمرت العلاقات العسكرية بين الحلف العابر للأطلسى والقوات المسلحة المحلية، وتعمقت فى العقود الثلاثة الأخيرة. ومن خلال المبادرات التدريبية المتعددة، قدم الناتو مساهمة كبيرة فى الإصلاحات العسكرية فى الشرق الأوسط على مستوى الدبلوماسية الدفاعية، وتحديدا من خلال التطبيع الاجتماعى للقوات المسلحة المحلية على المستوى الدولى. ولكن نظرا إلى القيود السياسية فى بروكسل، ينبغى على الولايات المتحدة أن تحدد توقعاتها على نحو أفضل. لقد كانت مساهمة الناتو فى الفعالية التشغيلية للجيوش العربية لا تزال متواضعة، ومن الواضح أنها لا تساهم فى التحديث الذى يشكل حاجة ماسة لهذه الجيوش.

تبقى الأداتان الأساسيتان لسياسات الناتو فى المنطقة الحوار المتوسطى الذى جرى الإعلان عنه فى عام 1994 مع إسرائيل وستة بلدان عربية (موريتانيا والمغرب والجزائر وتونس ومصر والأردن)، ومبادرة إسطنبول للتعاون التى وضعت اللمسات الأخيرة عليها فى عام 2004 وتضم أربعة أنظمة ملكية خليجية (الإمارات العربية المتحدة والكويت وقطر والبحرين)، وجرت لاحقا مراجعة هذه الشراكات لتشمل مجموعة متنوعة من الأنشطة بدءا من المشاورات الدبلوماسية وصولا إلى الأنشطة التدريبية، وفى عام 2016، بدأ الناتو بتطبيق مقاربة جديدة فى التعاطى مع شراكاته الإقليمية تعرف بـ«بث الاستقرار»، يشدد هذا المفهوم على الحاجة إلى إرساء الاستقرار فى المناطق المعنية مثل الشرق الأوسط، من خلال مساعدة الشركاء الإقليميين على تعزيز إمكاناتهم العسكرية، ومنذ ذلك الوقت، باتت هذه المقاربة المكون الأساسى لانخراط الناتو فى الشرق الأوسط.

يشكل التعليم والتدريب العسكريان حجر الزاوية فى السياسة الإقليمية لحلف الناتو، يشارك الشركاء الشرق أوسطيون فى العديد من البرامج بما فى ذلك التدريبات العسكرية، وحضور مقررات عملانية فى كلية الناتو فى ألمانيا ومقررات استراتيجية فى كلية الناتو الدفاعية فى إيطاليا. تقدم هذه الكلية مقررا عن التعاون الإقليمى شارك فيه أكثر من 600 ضابط من الناتو والجيوش الشرق أوسطية حتى تاريخه.

فى عام 2017، دشن الناتو والكويت المركز الإقليمى التابع لمبادرة اسطنبول للتعاون، وقد وصفه الناتو بأنه بمثابة «منزل جديد للحلف فى الخليج». يجمع هذا المركز الذى تستضيفه الحكومة الكويتية، ضباطا من الناتو ودول الخليج من خلال مقررات تعليمية وتدريبية تركز على الشئون الأمنية مثل الأمن البحرى وأمن البنى التحتية للطاقة، أو الأمن السبرانى. فى الأعوام الثلاثة الأخيرة، قدم المركز 40 برنامجا قصير الأمد حضرها نحو 100 مشارك من بلدان مجلس التعاون الخليجى. وفى عام 2018، استأنف الناتو بعثته التدريبية لدى القوات المسلحة العراقية. أطلقت البعثة بداية فى عام 2004 بعد الاجتياح الأميركى، واستندت بقوة إلى الدعم السياسى والموارد العسكرية الأمريكية. وقد جرى تدريب نحو 15000 ضابط عراقى قبل تفكيك البرنامج إثر الانسحاب الأمريكى بقرار من الرئيس أوباما فى عام 2011، بيد أن الناتو استمر فى تقديم التدريب للضباط العراقيين من حين لآخر، لا سيما فى مجال إدارة الأزمات.
***
لقد تكللت برامج الناتو التدريبية والتعليمية فى الشرق الأوسط بالنجاح بصورة أساسية فى مجال الدبلوماسية الدفاعية من خلال إنشاء شبكات دولية جديدة من القادة العسكريين. وفى العقدين المنصرمين، ولدت هذه الأنشطة آليات وممارسات روتينية يشارك فيها ضباط من الطرفين بصورة منتظمة. وأدى الناتو دور «عميل للتطبيع الاجتماعى» مثلما وصفت ألكسندرا غيسيو انخراط الناتو فى أوروبا الشرقية فى التسعينيات. وقد سمح التقارب الاجتماعى والروابط غير النظامية التى بنيت من خلال هذه البرامج للطرفين بإجراء مشاورات وثيقة بين المسئولين الدفاعيين. وفقا لصناع القرار فى الناتو، أدى ذلك دورا حاسما فى التنسيق بين قوات الناتو والقوات القطرية والإماراتية عندما انضمت هذه القوات إلى العملية فى ليبيا فى عام 2011.

إضافة إلى ذلك، فيما تسعى المنظمات الإقليمية فى الشرق الأوسط مثل جامعة الدول العربية أو مجلس التعاون الخليجى إلى بناء هيكليات عسكرية مشتركة، تساعد برامج الناتو الضباط العرب على استيعاب طبيعة العمل الدفاعى المتعدد الأطراف على نحو أفضل. ويتيح لهم ذلك تعزيز التعاون التشغيلى بينهم. كذلك قدم الناتو نموذجا يحتذى لمجلس التعاون الخليجى، فقد شكلت لجنة الناتو العسكرية وكلية الناتو الدفاعية مرجعيتين استخدمهما مجلس التعاون الخليجى لتصميم قيادته المشتركة والكلية الدفاعية.

أبعد من هذه الإنجازات، نجاح عملية الناتو العسكرية فى الشرق الأوسط محكوم بنطاقها المحدود. تستند بعثة الناتو فى العراق إلى نحو 500 مستشار، وحضور الحلف فى الكويت أكثر تواضعا: فقد عين ممثلان للحلف من مقره فى بروكسل للعمل فى المركز الإقليمى التابع لمبادرة اسطنبول للتعاون، والجزء الأكبر من الأنشطة التدريبية تتولاه «فرق جوالة» مرسلة من مراكز القيادة المختلفة فى أوروبا والولايات المتحدة.

لقد أعلن الناتو والحكومة العراقية فى فبراير الماضى عن إرسال مزيد من الجنود للمشاركة فى البعثة التدريبية، لكن تفشى جائحة «كوفيد 19» يعرقل تنفيذ هذا القرار. فالوباء يتسبب بعرقلة عمليات الانتشار العسكرى فى أوروبا وكذلك فى العراق حيث علق الجيش مختلف أنشطته التدريبية. فى الوقت الراهن، سحبت معظم دول الناتو قواتها وأعادت نشرها فى الكويت بانتظار انتهاء الأزمة الصحية. وبما أنه يتعذر توقع مدة استمرار الوباء، ليس واضحا متى يمكن للناتو استئناف البعثة، وما إذا كان مخطط توسيعها سيبقى قائما.
***
وعلى صعيد أكثر إثارة للقلق، تفتقر المساعدة التى يقدمها الناتو للشرق الأوسط إلى تحديد واضح للأهداف. فقد وصفها مسئول أمنى كويتى رفيع المستوى فى عام 2012 بأنها «شراكة من دون قضية». البيروقراطية متجذرة بقوة فى الناتو بحيث إن المبادرات التدريبية تطلق عادة بعد اتخاذ قرار رئيسى فى بروكسل، ولكن متابعة السياسات محدودة إن لم تكن غائبة. لم يتمكن مسئولون فى الناتو، خلال أحاديث معهم، من الإشارة إلى إجراءات تقييم محددة، وبدا أن مجرد وجود الأنشطة كاف بالنسبة إليهم لاعتباره مؤشرا عن النجاح. وفى حالة المركز فى الكويت، أقر ممثلو الناتو بأن هناك نقاشا متواصلا بشأن وضع معايير للتقييم. ولكن تحديد مؤشرات الأداء مع الشركاء المحليين قد يشكل تحديا لهم فى إدارتهم للقوات المسلحة، وتبعا لذلك، قد تتخلى عنه بروكسل باعتباره حساسا جدا على المستوى السياسى. ويبدو واضحا أن الناتو لا يبذل أى جهود لإعداد استراتيجية شاملة تحدد النتائج المرجوة وتراقب عن كثب فعالية الأنشطة التدريبية فى الشرق الأوسط.

نتيجة لذلك، يجب على الحكومة الأمريكية أن تحدد أهدافها المتعلقة بدور الحلف الأطلسى فى الشرق الأوسط على ضوء الواقع الحقيقى لانخراط الناتو فى المنطقة. نظرا إلى محدوديات التعاون العسكرى الذى يقدمه الناتو ــ رغم النجاحات الصغيرة التى حققها ــ ومحدوديات مساعداته الأمنية، على الحلف ألا يتوقع ممارسة تأثير حاسم فى الفعالية العسكرية لشركائه الشرق أوسطيين. ولكن الناتو قادر على إحداث فارق فى مسائل أخرى، من خلال تعزيز دبلوماسية الدفاع المتعددة الأطراف، ومساعدة الجيوش العربية على تحديد الممارسات الفضلى للتخطيط المشترك وبرامج التدريب والتعليم المشتركة. يستطيع حلف شمال الأطلسى، من خلال التركيز على التعاون المتعدد الأطراف، تعزيز الهندسة الأمنية للشرق الأوسط ــ وهو هدف يستحق العناء فى المنطقة.

النص الأصلي من هنا

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved