الناس والكوبري

أشرف البربرى
أشرف البربرى

آخر تحديث: الأربعاء 13 مايو 2020 - 9:20 م بتوقيت القاهرة

«عندما لا يملك الناس حق الاعتراض من البداية؛ حيث تكون الفرصة سانحة للتغيير والتراجع بتكلفة بسيطة، تظهر المشكلات التى تصبح تكلفة علاجها أعلى بكثير»، هذه هى القاعدة التى أكدتها واقعة «كوبرى محور ترعة الزمر» الذى يمر فوق «سرير غرف نوم» المواطنين بحسب اللغة الساخرة التى تندر بها مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعى على صورة الكوبرى الضخم الذى يكاد يلتصق بحوائط العمارات التى يمر أمامها.

لو أن الحكومة سمحت للمتضررين من هذا المشروع بالتعبير عن اعتراضهم على تصميم الكوبرى الذى يسد عليهم باب النور والهواء منذ البداية لما ظهرت هذه الصورة التى فجرت موجة من السخرية التى تسىء بكل تأكيد إلى المؤسسات القائمة على تخطيط وتصميم وتنفيذ هذا المشروع، بل وربما تسىء إلى «العقل الهندسى» لمصر.

بالطبع فإن هناك متضررين من أى مشروع سواء كان عملاقا أو غير عملاق، ولكن طريقة التعامل مع مصالح هؤلاء المتضررين ومحاولة البحث عن سبل لتقليل هذا الضرر أو للتعويض عنه هى التى تميز بين الحكومة التى تراعى حق المواطن حتى لو كان شخصا واحدا وبين تلك التى ترى أنها تمتلك الحقيقة المطلقة وصاحبة الحق الحصرى فى تحديد ما هو صالح للوطن وللمواطن وما هو غير ذلك.

قبل سنوات ليست بالكثيرة كان لدى مصر مساحة من حرية التعبير عن الرأى سواء فى وسائل الإعلام أو حتى فى الشارع بما يسمح بكشف عيوب العديد من المشروعات أو البدائل المتاحة لتنفيذها بأقل قدر من الأضرار قبل بدء التنفيذ؛ حيث يصبح التعديل أو حتى التراجع عن المشروع بأقل تكلفة.

الغريب أنه كانت هناك بدائل عديدة لتنفيذ مشروع محور ترعة الزمر الذى بدأ الحديث عنه منذ 2014 تقريبا دون الإضرار بمصالح عشرات وربما مئات الأسر التى تحولت إلى أسرى لهذا البناء الأسمنتى المشوه.

ففى بداية التفكير فى المشروع كان الحديث يدور حول محور سطحى فوق مسار الترعة التى ستتحول إلى أنابيب، أو شق نفق تحت مسار الترعة للاستفادة من المسار السطحى فى تحسين وتطوير المنطقة. وكانت التكلفة التقديرية بأسعار 2014 نحو 850 مليون جنيه للمسار السطحى ونحو 1.6 مليار جنيه للمسار النفقى، وكلا الخيارين لم يكن ينطوى إلى تشويه للمناطق التى يمر بها المحور ولا يضر بسكانها، ومرت السنوات وبدء تنفيذ المشروع بخيار ثالث وهو مسار الكبارى العلوية الذى تصل تكلفته التقديرية إلى 3.8 مليار جنيه.

للمرة المليون يتأكد أن الثمن الذى يتحمله المجتمع نتيجة حرمان المواطن من التعبير عن رأيه خاصة فى مواجهة قرارات وخطط الحكومة، والثمن الذى يتحمله نتيجة تقييد حرية الإعلام أكبر كثيرا مما يمكن أن يتحمله إذا ما سمح للمواطن بالتعبير عن رأيه بطريقة سلمية متحضرة، وإذا ما سمح للإعلام بعرض كل الآراء والأفكار التى تتعلق بالمشروعات الكبيرة منها والصغيرة قبل تنفيذها.

القضية إذن أكبر من مجرد كوبرى، انتهك حرمة المنازل واعتدى على مصلحة مجموعة من المواطنين، لأنها تعكس بوضوح مخاطر غياب الرأى الآخر وتجاهل حقوق المواطن بدعوى المصلحة العامة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved